ينشغل العالم بمراقبة أزمة العراق السياسية التي شهدت تفككاً سريعاً للتحالفات وظهور أخرى بديلة متسارعة تفككت هي الأخرى بلمح البصر، ووصل الأمر إلى درجة مقلقة للأمم المتحدة والمسؤولين الأميركان، الذين توافدوا على بغداد وأربيل أخيراً دون أن ينجحوا في فعل شيء، لكن هذا الانسداد السياسي لم يوقف الحرب ضد تنظيم «داعش» غرباً قرب حدود الأردن والسعودية، وشمالاً على تخوم تركيا وسورية.

Ad

فجبهة الأنبار، بعد تحرير مركزها في الرمادي، ثم تحرير مدينة هيت التاريخية، شهدت تقدماً إضافياً بفك الحصار عن مدينة حديثة، ثم فتح جبهة جنوب الفلوجة المستعصية بمشاركة أعداد أكبر من متطوعي القبائل المحلية هناك، إضافة إلى تحضيرات لتقدم قد يحصل سريعاً، حسب المصادر العسكرية، في اتجاه مدينة الرطبة المحاذية مباشرة لحدود سورية والأردن.

وشمالاً حدث أمر مهم، فبعد أن شهدت مناطق النزاع بين التركمان والأكراد مواجهات مسلحة خطيرة بين ميليشيات شيعية وقوات كردية، في طوزخورماتو جنوب كركوك، عاد الطرفان ليتشاركا بجهد منسق انتهى بتحرير مدينة البشير التركمانية من سيطرة «داعش» التي دامت نحو سنتين، واقتربت القوات المشتركة إلى منطقة الحويجة، التي تعد بوابةً نحو الموصل، وقاعدةً عسكرية كبيرة لتنظيم «داعش».

وإذا كانت هذه المفارقات السياسية والعسكرية مألوفة في هذا الفصل العراقي الساخن، فإن الجبهات تشهد كذلك أخباراً غير سارة للحكومة، خصوصاً للإدارة الكردية، حيث شعر «داعش» بخسارة مريرة ففتح جبهة انتحارية في الحد الفاصل بين الموصل وأربيل، عبر أربعة محاور في تل أسقف المسيحية ومخمور المختلطة، ثم منطقة الخازر القريبة جداً من أربيل، حيث يتمركز آلاف من الضباط الأميركان وأولئك التابعين لحلف الناتو ضمن الجهود الدولية لمنع تمدد «داعش» في هذه المنطقة الحساسة من الشرق الأوسط.

ونجح الأكراد في صد هجمات عنيفة تسندهم لأول مرة قاذفات «بي 52» العملاقة التي تشارك، للمرة الأولى، منذ حرب تحرير الكويت، في عمليات حربية، لكن الأكراد قدموا الكثير من الضحايا، كما تؤكد المصادر في أربيل، وسط أزمة مالية خانقة يعيشها إقليم كردستان الذي يعجز عن دفع مرتبات موظفيه وجنوده منذ أربعة أشهر، واضطر قبلها إلى خفض المرتبات إلى نحو الثلث، في حين تقتصر مساعدات بغداد والمجتمع الدولي للإقليم على الذخيرة والسلاح والتدريب.

وصارت العبارة المتداولة بين الساسة الأكراد هي: «لم يبق لدينا سوى دماء قوات البيشمركة وشباب كردستان»، بعد أن انهارت أسعار النفط، وتراجعت قواعد الشراكة مع بغداد سياسياً واقتصادياً، واهتزت الثقة الاستثمارية بمدن الإقليم الكردي، الذي يكافح لرسم مستقبله وسط تموج في خرائط المنطقة ووقائع الحرب والسياسة من البحر المتوسط حتى شواطئ المحيط الهندي.