كلما اقتربت الحكومة من تطبيق معالجاتها للحالة المالية والاقتصادية التي نتجت عن الانخفاض الكبير في أسعار النفط، تفجرت مشاكل ومواجهات شعبية، أو ردة فعل قوية من الرأي العام، كان آخرها إضراب عمال النفط، وقبلها ردة الفعل الشعبية على زيادات أسعار الكهرباء والماء التي ملأت فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي والدواوين والمنتديات العامة بالتعليقات السلبية والغاضبة. وأعتقد أنه كلما قاربت الحكومة ملفاً جديداً في هذا الموضوع ستشتد ردة الفعل، وربما تؤدي إلى عودة حراك شعبي مشابه لما شهدناه منذ سنوات قليلة.
مشكلة الحكومة وعدد كبير من أعضاء مجلس الأمة أنهم يريدون أن يبدأ الإصلاح الاقتصادي من جيوب قاعدة الهرم لا من قمته، متناسين أن طبيعة المجتمع الكويتي وتراثه مختلفان عن المنطقة، فهناك مجتمع مدني وقوى سياسية ونقابية مؤثرة حتى لو تم "تدجين" بعضها في السنوات الأخيرة عبر المغريات المالية ونشر النزاعات المذهبية والقبلية بينها، وزرع "الكنتونات" في الديرة، رغم ذلك فإن جينات الديمقراطية والنضال والعمل الشعبي متأصلة لدى الكويتيين منذ القدم، واللعب على رزقهم والسحب من جيب غير المقتدرين منهم سيحيي عملاً شعبياً موحداً ومختلفاً خاصة لدى الشباب الذين يعانون بسبب الغلاء في المعيشة والسكن، الذي لا يمكن حالياً العديد منهم حتى من القدرة على الزواج.نعود إلى قمة الهرم، فالحكومة والمجلس يريدان أن تبدأ الإجراءات بالمواطن دون أي رد منها على استفساراته عن مكافآت الوزراء والنواب وبدلات الاجتماعات ونثريات السفر... وخلافه، لا نريد أن نعطي أمثلة عن رئيس الوزراء الأوروبي الذي يذهب إلى عمله بالمترو، والآخر بالدراجة الهوائية ليثبت عدالة خطط حكومته التقشفية، ولا رئيس الشركة اليابانية الذي تنازل عن 90 في المئة من راتبه وامتيازاته لإنقاذ شركته، بل نريد على الأقل أن يكون رجال الدولة قدوة للعامة ليتفاعلوا ويضحوا ويتأكدوا أن ما سيؤخذ منهم وسيؤثر على معيشتهم بشكل كبير لن يذهب إلى بطن "هامور" مرتاح.القدوة تكون بأن يخرج الوزراء ليعلنوا أنهم تنازلوا عن مكافآتهم السنوية أو خفضوها بشكل كبير، واستغنوا عن مكافآت المناصب التي يكتسبونها نتيجة حملهم الحقيبة الوزارية، وأن يعلن كذلك مجلس الوزراء منع أي استثناء من قانون البديل الاستراتيجي بخلاف السلك الدبلوماسي ومن هم في حكمهم مِمن يمثلون الدولة بالخارج، وكذلك أن يعلن قضاة الكويت - وهم أهم قدوة في المجتمع- تخفيض قيمة الامتيازات والرواتب الضخمة المقترحة في قانونهم الجديد، فالقضاء عنوانه الزهد والتواضع، ولو بحثت في قوائم أعلى الرواتب في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا... إلخ، فلن تجد رواتب القضاة وموظفي الحكومة فيها، كما على النواب أن يعلنوا وقف أو تخفيض المهمات الخارجية التي تستهلك مبالغ ضخمة من مخصصات ونفقات سفر.عندما يبدأ رجال الدولة من قادة حكوميين وقضاة ونواب بأنفسهم في التقشف ووقف الهدر، ومحاربة الفساد الذي يعتبر أيضاً الركن الثاني المهم في الإصلاح الاقتصادي، يمكن للكويتيين جميعاً أن يقدموا التضحيات لمعالجة المشكلة المالية الحالية دون مزيد من الأزمات مثل الإضراب الأخير في القطاع النفطي، وحالة القلق والغضب الشعبي التي ربما تتزايد عند إقرار زيادة أسعار الكهرباء والماء التي ستعقبها، كما أتوقع، موجة مؤثرة من ارتفاع أسعار السلع والإيجارات.
أخر كلام
القدوة... يا قادة... يا قضاة... يا نواب
24-04-2016