100 عام... انتهت بـ «مناديب»!
أهم مبادئ الدولة الدستورية الديمقراطية هي فصل السلطات، وإبعاد العسكر عن الشأن السياسي طالما كانوا هم بالخدمة، وكذلك ضرورة عدم الزج بأسماء رجال الهيئات العسكرية والقضاة في العمل السياسي أو القضايا الجدلية السياسية المطروحة على الساحة.وكيل وزارة الداخلية المساعد اللواء الشيخ مازن الجراح يحرص دائماً على أن يظهر في وسائل الإعلام ببدلته العسكرية، مما يعني أن ضوابط العسكر في تناول الشأن السياسي تسري عليه، إن لم يكن أبناء الأسرة الحاكمة مستثنين من ذلك.
اللواء الجراح رجل عسكري له سجل عمل ممتاز، ولديه مركز حساس يتعلق بالجنسية الكويتية، وكل ما يتعلق بها من خفايا وأسرار وعلاقات نسب وخلافه، والتي تتطلب عناية خاصة في التصريحات والتعليقات الإعلامية، وكذلك هو رجل ذكي ومحنك ويعرف أن وصف "مندوب" في الثقافة الشعبية والعرف المحلي، هو تعبير مفاده التصغير من شأن الشخص وقيمته وقدرته على التأثير في أي أمر. وعندما يصف أحد أبناء الأسرة الحاكمة، مهما كانت تراتبيته في الحكم والسلطة، أعضاء مجلس الأمة بـ "المناديب"، فهو أمر له دلالاته، ويعتبر حديثاً في شأن سياسي يتعلق بسلطة أخرى قائمة وفقاً لدستور الدولة، ويعبر أيضاً عن عقيدة لدى طائفة في الأسرة، ربما تكون هي الأغلبية أو الأقلية، ولكنه مؤشر مهم وخطير عن الصورة الذهنية لديهم لممثل الأمة أو عضو مجلس الأمة الذي تعطيه المادة السادسة من الدستور صفة عصب الحكم في الدولة بنصها أن: "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً..... إلخ"، فيما تريد تلك الطائفة أن تحوله إلى مندوب يخلص معاملات المواطنين لدى السُّلطة، التي تملك المال والقرار والقوة.المؤسف أنه بعد سنوات قليلة ستكمل مسيرة النضال والمطالب الكويتية بالمشاركة الشعبية في القرار والديمقراطية مئة عام منذ إنشاء أول مجلس شورى كويتي في أبريل 1921، وكذلك مئة عام على وثيقة "الميثاق" التي وضعت في ديوان ناصر البدر، وكانت بذرة دستور دولة الكويت 1962، العقد السياسي والاجتماعي الذي يربط بين الحاكم والمحكوم، وستتجدد عدة ذكريات أخرى تتعلق بمجلس 1938، وأحداث انتخابات 1967، ومحاولات تنقيح الدستور 1981، والمجلس الوطني 1990، ومؤتمر جدة الشعبي في نفس العام.كل هذا العمل والجهد الشعبيين اللذين امتدا على مدى قرن انتهيا بأن يوصف ممثلو الشعب الكويتي بـ"المناديب"! دون ردة فعل برلمانية وشعبية تتناسب مع ما تعنيه تجاه الحكومة والوزير المعني، فمن المسؤول عما وصلنا له اليوم من ضياع الثقل والتمثيل الشعبيين؟ هل هي القوى الديمقراطية الوطنية التي ذابت في اللعبة الانتخابية وإدمان الكراسي، وبعضها في "البزنس" والمناصب؟ أم التيارات الدينية التي قوى تحالفها مع السلطة شهيتها للانقلاب على النهج الديمقراطي المدني، والنعرات التقسيمية المذهبية والقبلية؟ أم انشغال الطبقة التجارية الوطنية في المناقصات المليارية التي تكبها السلطة عليهم، فألهتهم، بعد أن كانوا في طليعة العمل الوطني وأصحاب الفضل في معظم المكتسبات الديمقراطية التي حققها الكويتيون؟