معرض «أبوظبي للكتاب»
وسط أخبار العنف والوحشية العربية- العربية، ووسط دمار مخيف يجتاح أكثر من قطر عربي، ووسط مستقبل يبدو غامضاً ومظلماً، فإن اجتماع نفر من أهل الفكر والإبداع والثقافة في مكان واحد، لتبادل اللقاء والحوار والرأي، لهو مصدر فرح، وشيء من أمل يمكن التعيش عليه.معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين، ليس مكاناً لبيع الكتب، ولا باحة لقاء عابر بأصدقاء أعزاء، ولا منصة ندوة، أو توقيع كتاب جديد أو عقد ترجمة، بل فرصة عربية عربية، وفرصة عربية عالمية، لكل من ينشد جديداً، ولكل من يريد وصلاً فكرياً وإبداعياً وثقافياً مع الآخر.
أزور معرض أبوظبي الدولي للكتاب بين دورة وأخرى، ويبدو واضحاً أنه يحقق قفزات كبيرة في استقطابه لدور النشر العربية والعالمية، وكذلك في قدرته التنظيمية على إقامة أنشطة متنوعة على مدار اليوم، وطوال مدة المعرض.لمعرض أبوظبي روح تميّزه عن مجمل معارض الكتب العربية، وربما مبعث تلك الروح وجود الآخر غير العربي بشكل ملحوظ. الآخر؛ المبدع والمفكر والفنان والمترجم والناشر والمثقف. هذا يجعل من المعرض فرصة كبيرة للقاء الآخر عن كثب، وتبادل الرأي وانطلاق مشاريع عمل عربية أجنبية، سواء في الترجمة أو التواصل الثقافي.احتفاء بالشخصيات العربية والعالمية الموثرة في مسيرة الإنسانية، يقوم معرض أبوظبي في كل دورة باختيار شخصية محورية يسخّر لها العديد من البرامج والأنشطة، ولقد كانت شخصية هذا العام الفيلسوف والعلامة العربي ابن رشد، الذي ولِد في قرطبة بالأندلس عام 1126، وتوفى في مراكش عام 1198، ويُعد بحق من أهم فلاسفة الإسلام. ولا تغيب الإشارة الكبيرة وراء هذا الاختيار في زمن عربي ما عاد يعترف إلا بالعنف والقتل والدمار، بعيداً عن أي فكر أو فلسفة أو حوار. ما عاد للكاتب العربي الكثير من سقف الأمان، ولا الكثير من حيّز الحرية، ولا الكثير من فسحة القول، لذا فإن لقاء المبدع والأديب والمثقف العربي بأخيه العربي يعدُ مبعث فرحٍ، وربما هذا هو أهم الأهم الذي تقدّمه المعارض والندوات والمهرجانات على طول وعرض العالم العربي. ومعرض أبوظبي ليس استثناءً من ذلك، بل انه عامر بالكثير الكثير من الوجود العربي الإبداعي والثقافي.تحفل أنشطة المعرض بالتجدد، وتتوزع بين؛ البرنامج الثقافي، وركن الإبداع، وتواقيع المؤلفين لإصداراتهم، وقسم الرسامين، وسينما الصندوق الأسود، ومعارض الصور. وإضافة إلى ذلك، فإن هناك نشاطاً ثقافياً لافتاً تقدمه كل من؛ مؤسسة بحر الثقافة، وكذلك الملتقى الأدبي.إن هاتين المؤسستين النسائيتين، باتتا تشكلان ملمحاً جميلاً وخاصاً في معرض أبوظبي، فكم يبدو لافتاً اهتمام نساء إماراتيات وعربيات بشكل جاد ومتجدد بالأدب والثقافة وبالمبدع والمثقف العربي، خصوصاً أن هذا الاهتمام بدأ يتكرس في السنوات القليلة الماضية، بوجود جدول ثقافي للأنشطة اليومية التي تقدمها كلتا المؤسستين، وتستضيف من خلالها أهم الوجوه العربية والأجنبية العابرة فوق روض المعرض.في زمن الاقتتال العربي الدامي والموحش والمؤلم، ما عاد للمبدع والمثقف والإنسان العربي الكثير من حبال الحلم كي يتمسك بها. وربما الإبداع وحده بتجلياته بين السرد والتشكيل والسينما والمسرح، بات يشكل عزاءً لمن لا عزاء له. وحده بات قادراً على حفر كوة ضوء في حائط الواقع اليومي الموجع. ووحده بات يمكّن العربي من عيش لحظة الحياة اليومية المضنية على عارضة اللحظة الشاهقة.تحية من القلب لكل الزملاء والأصدقاء الذين ساهموا بجهد كريم ومخلص لأن يرى معرض أبوظبي المتجدد النور بحلته الزاهية، وتحية خاصة للصديق الدكتور علي بن تميم على جهده الوفير، وإصراره الدائم على تحدي نفسه لتقديم الجديد والمبدع.