لا يحظى اليمن بالمقدار ذاته من الاهتمام كما ساحات المعارك الأخرى في الحرب على الإرهاب، لكن هذا البلد يعاني صراعاً متواصلاً شهد بعض التطورات المذهلة أخيراً، وتُعتبر هذه حرباً متعددة الجبهات.
تدعم الولايات المتحدة التحالف السعودي-الإماراتي، ولا يقتصر هذا الدعم على المسائل اللوجستية والاستخباراتية، بل يشمل أيضاً، كما اتضح أخيراً، قوات عمليات خاصة أميركية على الأرض.يقاتل السعوديون والإماراتيون الحوثيين، ولكن كثرت المخاوف من أن يمهدوا بحربهم هذه الدرب أمام تنظيمَي "القاعدة" و"داعش"، وللتخفيف من هذه المخاوف عمد التحالف السعودي-الإماراتي، بمساعدة مستشارين أميركيين وقبائل يمنية وقوات عسكرية يمنية، إلى شن هجوم ضد مدينة المكلا، التي يسيطر عليها القاعدة والتي تشكّل ثاني أكبر مرفأ وخامس أكبر مدينة في البلد، وفي 23 و24 أبريل سقطت المكلا.أشاد مايكل موريل، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، بهذا الانتصار الكبير من دون أن يأتي على ذكر المشاركة الأميركية، واعتبره "معادلاً لخسارة داعش الموصل أو الرقة": حظيت هذه العملية العسكرية بالتخطيط والتنفيذ الجيدين، فقد تعاون الإماراتيون مع القبائل اليمنية المحلية بغية تأمين الدعم لهذه العملية، كذلك درّب الإماراتيون كوادر من الجنود اليمنيين بغية مساعدتهم في هذه العملية، بالإضافة إلى ذلك، شمل الهجوم بحد ذاته عمليات جوية، وبحرية، وبرية منسّقة بدقة. وهكذا، لم تستغرق العملية، التي ظن البعض أنها تحتاج إلى أسابيع، سوى بضعة أيام، ويطبّق الائتلاف اليوم عمليات تضمن عجز القاعدة عن العودة، وتشمل هذه تأسيس حكم جيد في المنطقة، ويشكّل هذا حلاً تقليدياً لمواجهة المجموعات الإرهابية التي تسيطر على مناطق.أصاب موريل بالتأكيد بترحيبه بنصر الائتلاف المناهض لتنظيم القاعدة، لكنني أخشى أنه يبالغ في تصوير أهمية سقوط المكلا، وتعبّر كاثرين زيمرمان من معهد دراسة الحرب عن خوفها (وأنا أشاطرها هذا الخوف) من أن "يكون هذا النجاح عابراً".تشير زيمرمان إلى أن تنظيم القاعدة "يستمد قوته من علاقته بالناس، مؤدياً دور المدافع عن سنة اليمن المهمشين، ولا تشكّل خسارة هذه المناطق بالنسبة إليه سوى انتكاسة مؤقتة لا تقوّض بالضرورة دعمه الشعبي"، فقد انسحب "القاعدة" على ما يبدو من المكلا قبيل الهجوم في خطوة ذكية من هذا التنظيم بغية المحافظة على قوته. لا شك أن زيمرمان محقة في اعتبارها أن "هزيمة القاعدة تتطلب تدمير علاقته بالشعب"، وأن هذه الخطوة تحتاج بدورها إلى تأسيس حكومة (أو ربما أكثر من حكومة واحدة) تستطيع حكم اليمن، ومن الضروري أن تمثل هذه الحكومة كل الفصائل الكبيرة في البلد، فلن تنتهي عمليات التمرد المتعددة، التي تُغرق اليمن اليوم في حالة من الفوضى، إلا عند اتخاذ خطوة مماثلة.ولكن من المؤسف أن الولايات المتحدة وشركاءها السعوديين والإماراتيين يصبون كل اهتمامهم، على ما يبدو، على المكاسب العسكرية التكتيكية بدل رؤية الصورة السياسية والاستراتيجية الكبيرة، ولا ينطبق هذا على اليمن وحده، بل نلاحظه أيضاً في سورية والعراق، فكما ذكر السفير الأميركي السابق إلى سورية روبرت فورد، "يشعر الأميركيون بفرح كبير كلما سقطت قرية، إلا أنهم ينسون الصورة الكاملة ويركزون كل اهتمامهم على التفاصيل الصغيرة".إذاً، لن تحقق الولايات المتحدة مطلقاً انتصارات دائمة في الحرب على الإرهاب ما لم تقرّ بحقيقة كلاوزفيتز الأساسية بشأن دور السياسة البارز في الحرب، علماً أن هذه النقطة لا تحظى بالاهتمام الكافي في الواقع مع أن كل الأكاديميات العسكرية وكليات الحرب تشدد عليها.* ماكس بوت | Max Boot
مقالات
الصراع في اليمن لا يحظى بالاهتمام الكافي
12-05-2016