الحديث عن تحفيز السيولة في البورصة يستلزم فتح أبواب العديد من الأفكار الخاصة بتطوير السوق من ناحية طرح الأدوات الاستثمارية كالمشتقات المالية، ونظم إقراض واقتراض الأسهم، وصانع السوق، واستبدال الوحدات السعرية بالنسب المئوية، وإنشاء سوق للصكوك والسندات، فضلاً عن تقسيم السوق إلى أسواق تراتبية.

Ad

تجاوزت عملية خصخصة بورصة الكويت هذا الأسبوع واحدة من أهم مراحلها مع انتقال الملكية من سوق الكويت للأوراق المالية إلى شركة البورصة، ليبقى أمامها تحديات أكبر لمجموعة من المراحل اللاحقة.

ولأن مفهوم الخصخصة في نجاحه أو فشله لا يرتبط بانتقال الملكية من القطاع العام إلى الخاص فقط، فإن مسؤولية شركة البورصة الجديدة، التي تعتبر ثاني بورصة عربية مملوكة بالكامل للقطاع الخاص بعد بورصة فلسطين، تتمثل في إحداث فارق في أداء السوق وقيمته وأدواته، فضلاً عن دوره كقناة تمويلية واستثمارية للمتداولين الأفراد والشركات والمؤسسات على حد سواء، كي يمكن تقديم نموذج ناجح للخصخصة في بلد يفتقر إلى نماذج نجاح من هذا النوع، ويدور فيه نقاش يومي على مختلف المستويات حول (فاعلية وجدوى وقدرة) عمليات التخصيص التي تتحدث عنها الحكومة.

نوعية الخدمة

ويمكن القول إن نجاح الخصخصة في بورصة الكويت من عدمها لا ينحصر فقط في حجم العمالة الوطنية التي توفرها الشركة لصغر حجمها، ولا حتى في قيمة الإيرادات التي يمكن أن توفرها للدولة، لأنها ستباع كشرائح للمستثمرين عبر الاكتتاب العام مرة واحدة في ظل غياب قانون الضريبة، بل يكمن النجاح في نوعية الخدمة التي تقدمها الشركة لجمهور المتعاملين، والتي يجب أن تحدث فارقاً للجميع، مما يستدعي في الفترة المقبلة العمل على وضع قواعد تعاون بين مثلث أطراف السوق (شركة البورصة وشركة المقاصة وهيئة أسواق المال)، لاعتماد خطط التطوير الخاصة بالسوق بما يدعم الهدف من خصخصتها، إذ إن طرح المنتجات الاستثمارية ذات الكفاءة يستلزم وجود قاعدة تقاص عالية الجودة تحت إشراف ورقابة هيئة أسواق المال.

الاختبار الأصعب لشركة البورصة عند تشغيل المرفق يتمثل في معالجة أوضاع السيولة المتدنية، التي تتراوح بين 10 و20 مليون دينار إلى مستويات أعلى، إذ إن استمرار معدلات السيولة الحالية يجعل تحقيق الشركة أرباحاً للمساهمين أمراً مشكوكاً فيه، الأمر الذي يتطلب اتخاذ سياسات من شأنها غرس الثقة بالسوق وشركاته، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية التي لم يتعاف السوق منها رغم مرور 8 سنوات على بدايتها.

تحفيز السيولة

ولعل الحديث عن تحفيز السيولة في البورصة يستلزم فتح أبواب العديد من الأفكار الخاصة بتطوير السوق من ناحية طرح الأدوات الاستثمارية كالمشتقات المالية، ونظم إقراض واقتراض الأسهم، وصانع السوق، واستبدال الوحدات السعرية بالنسب المئوية، وإنشاء سوق للصكوك والسندات، فضلاً عن تقسيم السوق إلى أسواق تراتبية، بحيث يكون لدينا سوق للشركات الأكثر تداولاً والأكبر وزناً، وهو ما يقارب مؤشر "كويت 15" حالياً، وسوق للشركات ذات التداول من المتوسط إلى أعلى، وسوق ثالث للشركات التي تكون تعاملاتها دون المتوسط إلى معدومة التداول، وأخيراً سوق خاص للشركات غير المدرجة ينظم عمليات بيع وشراء هذا النوع من الأسهم بعيداً عن محاذير ومخالفات "سوق الجت".

في البورصة حالياً نحو 100 شركة تعاملاتها اليومية لا تتجاوز 25 ألف دينار، وكثير منها معدومة التداول يتم استخدمها بـ"ربع أو نصف دينار" للتلاعب في تحديد أسعار الإقفالات السعرية، وهذا يعد إساءة لسمعة السوق، مما يوجب على الشركة أن تضع الآليات الخاصة بتقسيم السوق إلى أسواق حسب الحجم والتداول، إضافة إلى وضع ضوابط لإقفالات الأسهم والعديد من التلاعبات الأخرى.

تنظيم الإدراجات

بعيداً عن التفاصيل الخاصة بآليات التداول، فإن وضع معايير عالية الجودة لاستقطاب إدراج الشركات من داخل الكويت أو من خارجها، وفقاً لقيمتها الرأسمالية والتشغيلية، سيكون من محفزات السيولة في البورصة، فلا يلام المستثمر (الأفراد أو الشركات) عندما تتضاعف قيمة الودائع لدى البنوك المحلية خلال سنوات الأزمة المالية من 16 مليار دينار إلى 32.5 ملياراً، لأن أحد الخيارات الأساسية للاستثمار في البلاد، وهي البورصة، تعرضت لهزة عنيفة من شركات استثمارية وعقارية، وحتى صناعية وخدمية، تبين لاحقاً أنها عبارة عن محفظة أسهم ديون ضعيفة الجودة وعالية المخاطر، مما يستدعي "حسن اختيار" الشركات التي يتم إدراجها في السوق، بما يرفع من تنافسية البورصة ومستوى السلع الاستثمارية المطروحة فيها.

الرقابة والشفافية

سعي شركة البورصة إلى تحفيز مستويات السيولة لتعظيم الإيرادات وبالتالي الأرباح يجب ألا يصطدم بمعايير الشفافية والإفصاح والرقابة التي نص عليها قانون هيئة أسواق المال في ما يتعلق بعقوبات التلاعب في التعاملات والتداول الوهمي وغيرهما، فضلاً عن وضع معايير شفافة لكشف مصادر أرباح وإيرادات الشركات، سواء كانت تشغيلية أو غير تشغيلية أو استثنائية غير مكررة، وآليات تقييم الأصول، فضلاً عن جودة المعلومات المفصح عنها ودقتها، وهذه معايير ترفع من تنافسية البورصة، وتعزز آليات الرقابة لهيئة أسواق المال.

نجاح شركة البورصة في مرحلة ما بعد التحول والتشغيل مشروع لا يقتصر فقط على سوق المال بعينه، إذ إن النجاح فيه يمكن أن يكون نموذجاً - على صغر حجمه - لمشاريع خصخصة أكبر، وبشكل تصاعدي في دولة تفتقد نماذج نجاح من هذا النوع، أو حتى ثقافة وممارسة مشاريع التخصيص، وتتحدث في الوقت نفسه عن خصخصة قطاعات مهمة وكبيرة، وهي التي لم تجرب أصلاً خصخصة أصغر القطاعات لتعطي للمجتمع حق تقييم التجربة.