كرامة الإنسان كقيمة حضارية دون النظر إلى أصله أو عرقه أو دينه تتجسد بشكل جلي في دول الغرب، لدرجة أن هذا الإنسان يحقق ما يطمح إليه، وإن كان منصب الحاكم على أهل الديرة نفسها! أما في عالمنا العربي والإسلامي فحدّث ولا حرج.
من المظاهر الجميلة التي باتت تظهر في السنوات الأخيرة في أوروبا وأميركا وصول الأجانب إلى أعلى المناصب السياسية، ناهيك عن رجال الأعمال الذين فرضوا أنفسهم على قمة جبل المال والاقتصاد، وذلك في أجواء تسودها مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص وتطبيق شعار الكرامة الإنسانية. شهدت فرنسا أولى تجارب اختيار بعض الوزراء من أصول عربية وكذلك الحال بالسويد والنرويج وألمانيا وغيرها، وفي الولايات المتحدة انتخب الرئيس ولدورتين متتاليتين من أصول إفريقية، وحكم العديد من دول أميركا اللاتينية رؤساء من أصول عربية ومن أمثلتهم كارلوس منعم وألبرتو ضحاك، ومن المفارقات الجميلة وأثناء زيارة برلمانية لجمهورية الإكوادور في تسعينيات القرن الماضي كانت انتخابات الرئاسة على أشدها بين خمسة مرشحين، حيث كان أربعة من هؤلاء المرشحين من أصول عربية! بريطانيا وهي من أقدم الأمم في التاريخ البشري وأقواها اختارت مؤخراً عمدة عاصمتها لندن من أصول باكستانية مسلمة، على الرغم من حالة الفزع التي تسود أوروبا من "الإرهاب الإسلامي" كما يسمونه على خلفية الجرائم التي شهدتها العديد من المدن الأوروبية في الآونة الأخيرة والدعوات غير المسبوقة بمنع العرب والمسلمين من حق الإقامة واللجوء السياسي. هذه الدول نسميها بالكافرة التي لا تدين بأي ديانة واختارت العلمانية كنظام للحياة المدنية والسياسية، وتخلو فيها الدعوة الدينية والوعاظ والمشايخ، ومع ذلك نجد فيها الشفافية والنظام وسيادة القانون والتقدم المدني وارتفاع مستويات المعيشة والرضا السكاني، أما كرامة الإنسان كقيمة حضارية دون النظر إلى أصله أو عرقه أو دينه فتتجسد بشكل جلي لدرجة حق هذا الإنسان في تولي ما يطمح إليه، وإن كان منصب الحاكم على أهل الديرة نفسها! أما في عالمنا العربي والإسلامي فحدّث ولا حرج، فالدين الإسلامي بمبادئه السامية وشعاراته العالية، التي يصدح بها ليل نهار على المنابر ووسائل الإعلام وفي مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية، ومع ذلك تحولت المجتمعات العربية والإسلامية إلى أقوى نماذج التخلف والجهل والمرض والاقتتال الداخلي وأخيراً الإرهاب، في حين أن مؤسسات الحكم صارت أيقونة للفساد والنهب والظلم بحق شعوب المنطقة أنفسهم، فهل هناك إساءة أكبر لديننا الحنيف الذي لم يعد سوى شعار للمتاجرة السياسية أو اختطف اسمه ليصنع منه إرهاباً يهدد البشرية أينما كانت! في دولنا الانتخاب حسرة على ملايين الناس، والعنصرية والتعصب غذاؤنا اليومي "على شنو" لا أعلم؟ ومن توطن في هذه البلاد منذ مئات السنين لا يزال يصنف باللفو والتابع والبيسري، ومن أعظم الجرائم التي لا تغتفر إذا تولى أحد من الأقليات حتى منصب رئيس قسم في دائرة حكومية! البيسري الباكستاني الأصل "خان" انتخب عمدة لمدينة لندن، ونجاحه في هذه المهمة قد يمهّد له الطريق ليصبح رئيساً للوزراء في المستقبل، وهذا الحدث في حد ذاته لا يعتبر غريباً، لكن الغريب والعجيب والمضحك المبكي أننا تناسينا كل ما يحيط بهذه القصة الجميلة، واختلفنا حول جزئية تافهة وهي: هل العمدة الجديد اسمه الأول "صادق" حتى نحوله إلى "شيعي" أو أنه "صدّيق" حتى يكون "سنياً"، فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم!
مقالات
صادق أو صديّق!
10-05-2016