مافيا الأسد

نشر في 15-05-2016
آخر تحديث 15-05-2016 | 00:00
 منصور مبارك المطيري لم تك وراثة بشار الأسد لحكم أبيه في يوليو 2000 في المكان عينه الذي جرت فيه أول عملية توريث للسلطة في التاريخ العربي الإسلامي حين نقل الخليفة الأموي معاوية المُلك لابنه يزيد في دمشق، تاريخ يعيد نفسه على شكل ملهاة، بل برهن الزمن اللاحق على أنها مأساة كبرى.

 ويضاعف تلك المأساة عدم وجود توصيف متقن لنظام حكم الأسد الأب وابنه، فغالبية التحليلات لهذين النظامين كانت تسمهما بميسم الشمولية تارة والتسلطية تارة أخرى، ولم يكن هذا أو ذاك يصور المعمار الدقيق لنظام مغلق أسسه عسكري بسيط تحدر من قرية جبلية! ذاك أن كل التحليلات كانت تركز على ما يفتقده النظام، كالقول على سبيل المثال، إنه معاد بشكل همجي ومتوحش للحرية والانتخابات النزيهة والإعلام المستقل.

  وقبالة نقص كهذا ينفث في الأفهام الحيرة، ربما كان النموذج الأمثل لمعرفة حكم عائلة الأسد هو نموذج "دولة المافيا" الذي صاغه السوسيولوجي المجري بالينت ماغيار في دراسته المكثفة لأنظمة دول ما بعد الحقبة السوفياتية. فالمرء كي يفهم سورية تحت حكم الأسد الأب والابن عليه أن ينظر إليها بوصفها "دولة مافيا" بالمعنى الذي تدار به الدولة وفق أساليب المافيا، ويجري تركيبها بنسق شبيه بنسق المافيا نفسه، بحيث تتموضع في قلب سورية عائلة الأسد. وتماما كالمافيا يحتل مركز العائلة شخصية أب بطركي (القائد إلى الأبد، الفذ، الملهم، القائد الضرورة)،  والذي لا يحكم بالمعنى السياسي التقني بقدر ما يحتكر توزيع المناصب والثروات والمواقع وانتقاء الأتباع والإشراف على تصفية الخصوم.

وفي حالة الأسد الأب، وتماما كالمافيا، كانت العائلة تقرب إليها آخرين من خارجها، كرفاق الأب القدامى مثل مصطفى طلاس وعبدالحليم خدام، وفي حالة الأسد الابن فاروق الشرع وعلي مملوك، والأب العراب الرابض على هرم العائلة والسلطة وأفراد عائلته مسكونون بهاجسين متضخمين هما، تركيز السلطات جميعها بأيديهم ومراكمة ثرواتهم.  

ولئن كان العنف والأيديولوجية يعدان المدماكين الرئيسين للدولة الشمولية فإنهما يغدوان في يدي دولة المافيا مجرد أداتين لعزل المجتمع وترهيبه والتلاعب به، فيحقن المجتمع بنظريات مبتذلة من نوع "التوازن الاستراتيجي" و"صراع الوجود لا الحدود" و"اختيار توقيت المعركة"، معطوفا بهراء أيديولوجي برعت فيه مافيا الدولة مثل الحرص على علمانية الدولة، الذي كان في جوهره استغلالا رخيصا للأقليات وتحكم فيها كي يكونوا معتمدين في بقائهم عليها، أما الاقتصاد السوري المعتاش دائما على غيره فإنه في دولة المافيا كان متبنيا نمطاً اشتراكياً تملك دولة المافيا فيه الاقتصاد كله، وحين حرره الابن تحول إلى جيوب العائلة من خلال السيطرة على الاقتصاد ذي الكثافة الرأسمالية مصحوبا باقتطاف ما بقي في المجتمع من تجارة مزدهرة، في الوقت عينه الذي أوكل فيه لأبناء الخال مخلوف تصفية كل من يرفض دفع الإتاوات.

تقتل دولة المافيا الأسدية بدم بارد الأشخاص تماما كالمافيا الإجرامية ولكنها لا تصفي سوى أولئك الذين لا يخضعون للإرهاب والابتزاز، كالمنافسين السياسيين والمعارضين المستقلين، والقتل والاعتقال اللذان تمارسهما دولة المافيا قد يبدوان أقل حجما من اللذين تمارسهما الدول الدكتاتورية التقليدية، لكونهما غير ضروريين، كما أنه في حالات كثيرة يبرهن القمع والاضطهاد على أنهما كفيلان بتحقيق الهدف، وبهذا المعنى تتبدى دولة المافيا محكومة ببراغماتية عميقة لا تحرص عبرها إلا على تحقيق أهدافها، وإثبات أنها لا تتورع عن ممارسة القسوة التي لا ترحم ضد الضعفاء والمدنيين في المجتمع، وأن يدها الطويلة تلاحق الخصوم بمن فيهم القريبون من العائلة، على النحو الذي تمت فيه تصفية محمد عمران أو من تجرأ على شق عصا الطاعة مثل غازي كنعان وآصف شوكت، وهذا في حوصلته بعض مما ابتلي به هذا المشرق البائس.

back to top