قال رئيس مجلس إدارة شركة «الشال للاستشارات الاقتصادية» جاسم السعدون، إن الموازنة العامة للدولة تعاني عجزاً يعتبر من أخطر أنواع عجز الميزانية في العالم، ومؤشراته خطيرة جداً، حيث نعيش في وضع حرج.

Ad

وقال السعدون، في الحلقة النقاشية، التي نظمتها الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام ‏وجمعية المحامين الكويتية بعنوان «عجز الميزانية ورفع الدعم»، بحضور النائب السابق عبيد الوسمي، ورئيس الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام مهلهل المضف.

وأوضح السعدون أنه يمكن النظر إلى خطورة العجز من خلال ثلاث زوايا، الأولى حجمه أي كلما ازداد ترتفع خطورته، والثانية إذا ما كان مؤقتاً أي قصير الأمد أو طويلاً، والثالثة، إذا ما كانت النفقات تستحق أو لا تستحق تبعات هذا العجز.

وذكر أن عجز الموازنة في الكويت يشمل المخاطر الثلاثة المذكورة، حيث إنه يعتبر كبيراً وغير محتمل ونسبته للسنة المالية 2015-2016 تبلغ نحو 13.2 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2015، ونحو 23.9 في المئة من نفقات الموازنة، وهي من أعلى معدلات العجز في العالم.

حجم العجز

وبين أن الأرقام تؤكد أن حجم العجز مؤشر يوحي بأنه حتى بارتفاع سعر برميل النفط نحو 50 في المئة يبقيه عجزاً مستداماً طويل الأمد، بالإضافة إلى أن حجم النفقات الجارية ضمن إجمالي النفقات يبلغ حالياً نحو 83.5 في المئة، وسوف يزداد إذا استمر نمط الإنفاق الحالي، وسوف يعجز عن استيعاب 420 ألف قادم جديد إلى سوق العمل، ومعظمه يصرف لتمويل خدمات عامة باهظة التكاليف، بمردود إنتاجي هابط، مشيراً إلى أن حجم العجز ونوعيته يهددان الاستقرار السياسي والاجتماعي في المستقبل لأنه عنوان فشل مالي واقتصادي.

أسعار النفط

وأفاد السعدون بأن الحديث عن عودة أسعار النفط مرة أخرى إلى مستويات الـ100 دولار للبرميل يعتبر حلماً، في ظل وجود تقنيات صناعة النفط غير التقليدي أي النفط الصخري، حيث إن سعر البرميل سيكون في أحسن الأحوال بحدود الـ60 دولاراً.

وقال إن أرقام العجر المعلنة تختلف والقارئ العادي يحتار أحياناً من يصدق، وإن كانت الإدارة المالية للدولة ضعيفة، فمن الصعوبة بمكان  الدفاع عن سياسة الإصلاح، لأن ما تذكره من أرقام العجز دائماً مكان شك، وبذخها لا يوحي بأنها تعيش أزمة، بالإضافة إلى أن تاريخها وتصرفاتها يفقدانها المصداقية، فهي لم تستمع إلى نصح مبكر بحتمية ضعف سوق النفط.

اختلاف وتناقض

وضرب السعدون مثالاً على الاختلاف الكبير في تقدير أرقام العجز، حيث «تذكر وزارة المالية أن سعر التعادل لموازنتها الحالية يبلغ 67 دولاراً للبرميل، ويعني ذلك أنه عند مستوى 35 دولاراً يبلغ العجز نحو 32 دولاراً لكل برميل يباع حتى تتعادل الموازنةن أي إن عجز نفقاتها بحدود 64 في المئة ويتناقص إلى 22 و12 دولاراً للبرميل للسيناريوهين الأكثر تفاؤلاً عندما يبلغ سعر برميل النفط الكويتي 45 و 55 دولاراً على التوالي».

ولفت في المقابل إلى أنه على النقيض تماماً من ذلك تقول كريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي، إن الميزانية لا تعاني أي عجز، إذ إن الفارق بينها وبين وزارة المالية هو في الفرضيات، حيث تحسب وزارة المالية أن كل المقدر من النفقات سوف يصرف، وتفترض إيراداتها على متوسط سعر هابط للنفط، وتخصم من تلك الإيرادات 10 في المئة وترحلها إلى احتياطي الأجيال القادمة، وذلك خلافاً للاغارد، التي تفترض أسعاراً أعلى للنفط ولا تخصم الـ10 في المئة، وتقوم بإضافة دخل احتياطيات، قدّرها الصندوق بنحو 4.7 مليارات دينار.

المالية العامة

وأشار إلى أنه بالاحتكام إلى علم المالية العامة، سوف يخطئ الاثنان، وزارة المالية وكرستين لاغارد، حيث إن علم المالية العامة يعتمد على استدامة أي تمويل المالية العامة بشكل رئيسي ومتجدد، ولا يعتمد على مصدر غير متجدد كالنفط.

الخروج من الأزمة

ورأى السعدون، أنه ما زال هناك أمل لنخرج من الأزمة، إذ يجب اعتماد مبدأ استدامة وبقاء الوطن، وذلك لن يتحقق باعتماد ديمومة الإدارة، ولابد أن يكون الهدف الأول لأي إدارة قادمة خفض النفقات العامة إلى أدنى حد ممكن مع أولوية لمواجهة صارمة للفساد.

وقال إنه لابد من إعادة صياغة وظيفة الاستثمارات العامة بشقيها الخارجي والداخلي، واعتماد المصدر الرئيسي للدخل المتجدد والموجه لتمويل النفقات العامة، موضحاً أن التقديرات تشير إلى أنه لدى الكويت نحو 400 مليار دولار في احتياطي الأجيال القادمة ونحو 140 مليار دولار في الاحتياطي العام أي إنه بمجموع 540 مليار دولار وتلك كانت الحسنة الوحيدة لزمن رواج سوق النفط.

وأشار السعدون إلى أن الكويت يمكن أن تخلق ثلاثة مصادر للدخل أولها لو أعدنا صياغة الوظيفة لمجمل احتياطيات الدولة، ووضعناها تحت مظلة واحدة ومعها توزيعات استثماراتها، كما تفعل النروج أو كما تنوي السعودية فعله حالياً، وحددنا هدف تحقيق 6 في المئة سنوياً، سوف يدخل للميزانية بحدود 10 مليار دينار، وهو ما يغطي 60 الى 70 في المئة من مستوى النفقات الحالية.

وذكر أن المصدر الثاني للدخل يأتي من ضرائب الدخل والأرباح تدرجاً وتصاعدياً على القادرين وبحدود لا تؤدي إلى خلق مناخ استثماري طارد، ثم يأتي المصدر الثالث، وهو التدرج بتعديل رسوم الخدمات والسلع العامة.

إفلاس الدولة

من جانبه، قال النائب السابق عبيد الوسمي، إن المعطيات والمؤشرات الاقتصادية، تشير إلى أن الدولة مقبلة على الإفلاس، متسائلاً من يتحمل مسؤولية وصول الدولة إلى هذا المستوى؟، داعياً إلى حوار وطني لتشخيص الوضع الاقتصادي ومستقبله.

وذكر أن الحكومة في الكويت لم تقدم يوماً من الأيام أي برنامج، حيث إن النص الدستوري رقم 98 يلزمها بتقديم برنامج عملها فور تشكيلها، حتى تقوم الأطراف الأخرى بدورها من الرقابة، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية، هي «أننا لانثق في متخذ القرار، ولا بالمعلومات التي يقدمها، وإن كانت صحيحة».

وأوضح الوسمي أن معظم الشعب لا يعرف ما معنى البديل الاستراتيجي، وللعلم من وضع تصور البديل الاستراتيجي - مكتب بريطانيا-، وليس له علاقة في الكويت، متسائلاً كيف لمكتب بريطاني أن يضع للكويت معايير محاسبية لا تستند إلى أي أساس اجتماعي أو ثقافي أو اقتصادي؟.

وبين أن الدولة تختلف عن الشركة، فهدف الشركة تحقيق الأرباح أما الدول، فتختلف أهدافها، حيث يمكن أن يكون هناك انفاق لتحقيق نتائج أخرى غير اقتصادية، مشيراً إلى أن النظام القانوني في الكويت غير منضبط، علاوة على أنها تفتقد إلى السياسات العامة والآليات.

وذكر أن هناك مواطناً واحداً، ومن خلال قرارت إدارية حصل على 300 قسيمة صناعية وتجارية واستثمارية قيمة الواحدة منها مليون دينار، أي بمجموع بلغ مليار دينار، فهل يقبل أن يتحمل هذا المواطن الأعباء العامة بذات الآلية، التي يتحملها مواطن لا يتقاضى إلا راتباً من الحكومة، إذ إن القوانين والأنظمة أصلاً غير سليمة.

وتساءل الوسمي: هل معدلات الربحية في صناديق الاستثمار في هيئة الاستثمار تماثل معدلات الربحية في صناديق الاستثمار السيادية في قطر والإمارات مثلا، فإلى الآن لا نعلم ماذا حدث في كل الأزمات الاقتصادية السابقة.

من ناحيته، قال مهلهل المضف إن الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام طرحت رؤية لتشديد العقوبات على جرائم التعدي على الأموال العامة، موضحاً أن الجمعية تعتزم مقابلة نيابة الأموال العامة، للوقوف على الثغرات والسلبية الموجودة في التشريعات الحالية، والتي تم بناء عليها حفظ 85 في المئة من مجمل قضايا الاعتداء على المال العالم.