مقالات الناقد الأستاذ محمد العباس أجدها تمثل طرحاً واقعياً للحالة الثقافية التي نعيشها، في محاولة لمعالجة الجسد الثقافي المنهك، وتحديداً في ما يدور حول الرواية، التي انتزعت الريادة من الأجناس الأدبية الأخرى. ساعد في ذلك تخصيص جوائز خليجية مالية؛ تجعل الأغلبية تنساق خلف الشهرة والمكسب المادي، وليس في ذلك عيب، وهو حق من حقوق الكاتب الروائي أن يراهن على الجائزة لتحقيق الانتشار. ولم يلتفت العباس إلى أسماء، صعدت بها جائزة ما إلى منصات لا تستحقها في الفعل الروائي، ولم تستطع أن تتفوق على عملها الفائز، فكان صريحاً في نقده، متجاهلاً رأي القارئ العادي، ومفترقاً عن سطوته، التي استسلم لها الروائي.

Ad

يطرح العباس رأيه مخلصاً لذائقة نقدية أصبحت غير متوافرة حالياً في ضوء الكتابات الهامشية، التي يقوم بها قراء لا يمتلكون القدرة على فهم العمل الروائي، ويفتقدون الخبرة في المقارنة بين أعمال روائية عالمية وأعمال محلية، ربما لم يتجاوزوها في قراءاتهم. وما طرحه الأستاذ العباس في مقالاته عن الرواية كان بعيداً عن المجاملة للأسماء التي أضفى عليها القراء صفات الإبداع، وساهمت في انتشارها حركة النشر عبر حيل تسويقية تعتمد على الجائزة، التي تسيطر عليها دور النشر وأختام الطبعات المتكررة، التي تتم بالاتفاق بين الروائي والناشر. وما أثاره الأستاذ العباس يستحق النقاش حول علاقة الروائي بالقارئ الناقد والقارئ العادي، وهي علاقة ارتبكت نتيجة تمكن القارئ العادي من استخدام وسائل كتابية تغري الروائي، وتؤكد له وصول "إبداعه" إلى شريحة عريضة من المجتمع المعني بالثقافة أو القراءة. وربما يتمادى في إغفال رأي القارئ الناقد، لأنه يقع في الخانة الأقل عدداً مقارنة بالآخر.

ما أصبح يثير القلق والسخرية أيضاً، أن يقوم الكاتب أو الكاتبة –لافرق – بمحاولة يصل فيها كتابه إلى شخص لا علاقة له بالكتابة ونقدها، وكل ما يمتلكه هو ألوف من المتابعين على "تويتر" أو "فيس بوك" على أن يعرض غلاف الكتاب على متابعيه، أو يتفضل على القارئ بجملة ركيكة من عشرين كلمة تمجيداً لكتاب ربما لن يقرأه. هذا التسويق الأدبي الفجّ لن يجعل للكاتب ولا للكتاب قيمة أدبية، وربما جعل منه بضاعة استهلاكية تحقق شهرة آنية ثم سرعان ما تختفي، ويختفي معها كاتبها.

هذه ليست حالة عربية بالمناسبة، إنما حالة عالمية، الكتب التي تحقق الانتشار سنوياً، والتي يقرؤها القارئ العادي، لأنها الأكثر مبيعاً في أميركا الشمالية هي ليست الكتب الأكثر إبداعاً وقيمة فنية، وهي ليست الكتب التي تجدها في برامج النقد الروائي الأكاديمي، ولن تكون. وهي كتب يعلم الناشر أنها لن تستمر شهراً أو عاماً على الأرجح على قائمة الأكثر توزيعاً. وربما يعمد الناشر إلى الإشارة إلى أنها الأكثر توزيعاً وهي في طبعتها الأولى.

الجسد الثقافي يبدو متشابهاً بين العالمين العربي والغربي في المناخ الثقافي العام، لكنه مختلف في المناخ الثقافي الأكاديمي. فما يتم عرضه في البرنامج الأكاديمي الغربي، لا يتضمن ما حققه الكتاب من شهرة أو توزيع، لكن ما حققه من قيمة روائية، والروايات، التي يتم ضمها إلى البرنامج الأكاديمي، غالباً ما تفتقد عبارة " الكتاب الأكثر مبيعاً".

نحن بحاجة إلى أكثر من ناقد يمتلك أدوات نقدية معاصرة، تمكنه من إعادة الهيبة إلى الجسد الثقافي المثخن بجراح دور النشر وضعف الأداء الروائي، والذي على الرغم من كثرته، فإنه لا يمثل قيمة حقيقية مقارنة بالأدب العالمي.