«في اليوم الثامن» لحسان الصمد... صور تشكيلية لواقع مرّ
{في اليوم الثامن}، عنوان معرض تنظمه غاليري {آرت سبايس} في بيروت للفنان التشكيلي اللبناني حسان الصمد (5 مايو- 11 يونيو)، يتضمّن مجموعة من اللوحات تتمحور حول علاقة الفنان بمشهدية المكان وبالطبيعة اللبنانية تحديداً.
أمضى الفنان التشكيلي اللبناني حسان الصمد طفولته وبعض مراحل مراهقته في قرى الشمال اللبناني وأريافه، يراقب التغيرات المتراكمة التي تفرزها العوامل الثقافية والاجتماعية وتأثيرها المباشر في هذه البيئة الريفية، مسلطاً الضوء على أحد الجوانب المظلمة من واقع المنظر الطبيعي اللبناني عموماً.صاغ الصمد أعماله في إطار سردي توثيقي حيناً، مع الابتعاد الكلي عن استخدام العناصر التشخيصية، ومستعيناً أحياناً أخرى برموز وعناصر سوسيوسياسية كالأبقار الغبيّة اللامبالية التي تصبح مستهلكة حين تُعلّق ذبيحة حلال، أو طيور القمامة الانتهازية، أو الألوان الاصطلاحية كالسماء الصفراء السقيمة، الجبال البنفسجية الميتة، العوالم الغرائبية للنفايات طور الاحتراق، وكأنها أجزاء من الجحيم، وغيرها من أشكال النفايات ذات المضامين الساخرة المبطنة أو المباشرة.في بعض الأعمال، عمد الفنان إلى دمج تناقضات في المفاهيم لإظهار قوة التضاد بشكل حاد بين القبيح والجميل، الشاعري والفج، السماء المنمقة بالنجوم، الزيتونة العتيقة، السماء الملبدة بالغيوم تقابلها النفايات في أمكنة ما أسفل اللوحات... وهي حالات نفسية مختلفة يعكسها تنوّع المكان والزمان وتكرار المعاناة... الليل، النهار، الجبل، السهل، النهر، البحر، اليوم المشمس أو المساء المطعّم بالغيوم. مسؤولية أخلاقيةفي لوحاته، يدعو الصمد كل فرد في المجتمع اللبناني إلى تحمّل المسؤولية الأخلاقية والوطنية والجمالية، والتعبير الرافض عن الواقع، إيماناً منه بأن الفنان ينبغي ألا يكون محايداً بل أن يضع إصبعه على الجرح مهما تسبب من ألم، وأن ينقل بأمانة مشهدية الأمر الواقع بحسب نظرته وأسلوبه الفني وألا يكتفي بالتفرّج أو نقل الجانب الجميل للواقع. يؤلم حسان الصمد أن يبلغ المشهد في المدن اللبنانية والقرى هذا المستوى المتدني من عدم الاحترام البيئي، ويؤلمه أكثر أن تنبري وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ومواقع التواصل الاجتماعي لإبراز التشوّه البيئي في كل مكان، ما يؤدي إلى ترسيخ هذه الصور في الذاكرة الجماعية للأجيال التي لن تغفر هذه الجريمة ولن تنسى، كذلك يؤدي إلى دفع اللبناني إلى التآلف مع المشهد والظواهر العبثية السريالية في حال طالت أزمة النفايات أكثر.من هنا، يكمل الرسام التشكيلي حسان الصمد الرسالة التي بدأها في معرضه السابق «لوحة المنظر الطبيعي اللبناني المحدث: الغرابة المألوفة أم الثقافة المقبولة؟» (في مركز الصفدي في طرابلس)، وهي ضرورة الإسراع إلى إنقاذ البيئة مما يدبر لها من مؤامرات، فلبنان الذي شهد على مرّ تاريخه غزوات وحروباً من كل حدب وصوب لم تقوَ عليه المحن، نظراً إلى طبيعته القوية، فيما اليوم تطاول المؤامرة الطبيعة بالذات التي كانت إلى وقت قريب أساس استمرارية هذا البلد.صحيح أن لوحات الصمد تسيطر عليها الألوان الغامقة، وصحيح أن الطبيعة تبدو مريضة، وكل ما يدور في فلكها من كائنات شبه ميت، لكن في المقابل هي صدمة إيجابية، إذا صحّ التعبير، للمبادرة إلى التحرك والخروج من حالة الخنوع والاستسلام للأمر الواقع.تتمازج الألوان مع الخطوط في لوحات حسان الصمد، لدرجة لا تترك معها مجالاً للنور لينفذ عبرها، فهو أرادها صورة تشكيلية عن واقع مرّ لا مجال فيه لأي عنصر في تأليف اللوحة يرمز إلى فرح أو ضوء، فكل شيء حوله ضبابي يلفه الدخان المتصاعد من حرق النفايات... من هنا يمكن القول إن اللوحة لدى الصمد توثيقية، تنقل المشاهد من واقعه وترميه في واقعه في لعبة فنية تتجاور فيها التساؤلات والأحاسيس، التشاؤم من الحاضر والإصرار على الخروج من الأزمة لبلوغ مستقبل أفضل... لذا بقدر ما هي قاتمة بقدر ما تحثّ على إرادة التغيير.