الجولات الآسيوية... التطلعات عالية والنتائج متواضعة

نشر في 12-05-2016 | 00:05
آخر تحديث 12-05-2016 | 00:05
No Image Caption
لم تغيِّر من طغيان نسبة اعتماد الميزانية العامة للدولة على النفط بما يفوق 93%
تكمن فائدة الجولات الآسيوية في قلب معادلة الاعتماد على النفط، وإعادة هيكلة سوق العمل، وجلب التكنولوجيا والاستثمارات الأجنبية، ومن دونها يكون الحديث عن نجاح «الجولات» أمراً مشكوكاً فيه.

تعد جولة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك الآسيوية، هي الرابعة من نوعها، التي تعيد نفس المستهدفات الخاصة بالاستفادة من الخبرات الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، وتوسيع القاعدة الاستثمارية والتجارية للكويت، عبر فتح واستقطاب أسواق جديدة.

وخلال 12 عاماً، كانت آسيا محطة أساسية لجولات في الصين واليابان وكوريا ووسط وجنوب وشرق القارة الصفراء، أطلق عليها رسمياً لقب «التنموية» لرؤساء وزراء ووزراء ذوي ارتباط بالشأن الاقتصادي، تشاركت كلها في طرح مشاريع نفطية وتجارية واستثمارية وتعليمية وزراعية وإسكانية، وغيرها الكثير، إلا أنها مثلها مثل مشاريع خطة التنمية، الرئيسة منها والفرعية، لم تنعكس على الاقتصاد الكويتي بشكل إيجابي.

فجولات آسيا، رغم ما تحفل به من تطلعات متنوعة، فإنها لم تغيِّر من طغيان نسبة اعتماد الميزانية العامة للدولة على النفط بما يفوق 93 في المئة، أو تنويع البيئة الاستثمارية، أو استقطاب استثمارات أجنبية تحقق للدولة عوائد غير نفطية، أو تساهم في إعادة هيكلة سوق العمل، كما أنها لم تحقق للكويت أي إضافات في مجالات جلب التكنولوجيا، أو تطوير التعليم، فضلاً عن أنها لم تحقق حتى الأهداف السهلة، التي تتعلق بشراكات لمشاريع البنية التحتية، وأعمال المقاولات والإنشاء!

الناتج الوحيد من الجولات الآسيوية كان مناقضاً لمعظم أهدافها، إذ إنها كانت تستهدف تنمية المشاريع والتجارب غير النفطية، وجلب التكنولوجيا، غير أنها لم تنجح إلا في مشروع نفطي، يتمثل بقرب إنجاز مشروع مصفاة ومصنع البتروكيماويات في فيتنام، وهو أمر يشير، على ما يبدو، إلى أننا لا نستطيع إنجاز أي مشروع خارج عقلية النفط ومشتقاته!

تنافسية وتدهور

لو كانت الجولات الآسيوية ناجحة، لما استقرت الكويت ضمن مراتب متأخرة، عالمياً وعربياً وخليجياً، في مؤشرات التنافسية المختلفة، فتجارب هذه الدول لا تسمح لمن يستفيد منها أن تتدهور مؤشراته خلال 9 سنوات بـ 10 مراتب على مستوى العالم، فضلاً عن أن بعض المؤشرات الرئيسة والفرعية لا تزال في مرتبة بعد الـ100 عالمياً، وتبتعد عن أقرب دولة خليجية، بما يعادل 50 مرتبة، بل إن حجم التراجع في بعض المؤشرات مذهل إلى حد يجعلك تعتقد أن هناك تخريباً متعمداً لمؤشرات الكويت عالمياً.

فترتيب الكويت في مؤشرات التنافسية، كمؤشر قوة حماية المستثمرين 68 عالمياً، وترتيبها في مؤشر شعور رجال الأعمال بالاستقرار من 60 إلى 72 عالمياً، وفي مؤشر عبء النظم الحكومية واللوائح 135 عالمياً، إلى جانب مؤشرات خاصة بجودة التعليم الأساسي الـ104 عالمياً، أو جودة الطرق 48 عالمياً، والمرتبة الـ53 عالمياً في القدرة على جذب المواهب، أو مؤشر كفاءة سوق السلع 106 عالمياً، ومؤشر إجراءات بدء النشاط 131 عالمياً، كلها تبين حجم التدهور الذي أصاب بيئة الأعمال الكويتية خلال فترة الرهان على آسيا، ما يبين عمق الفشل في طرح شعارات افتقرت إلى المشروع أو الرؤية، ناهيك عن التنفيذ.

رهانات وبروتوكولات

فالعديد من دول آسيا قدمت نموذجاً للعالم في كيفية خلق اقتصادات فائقة النمو في دول عديمة الموارد الطبيعية، وكان رهانها واضحاً على التعليم، وربطه بسوق العمل، إلى جانب الالتزام باتخاذ سياسات استثمارية واقتصادية حقيقية، فضلاً عن تحديد أهداف اقتصادية، والعمل على تحقيقها.

غير أن هذه النماذج لم تنعكس على دولة كالكويت، التي تتحدث منذ 13 عاماً عن مشروع التحول لمركز تجاري واستثماري، وضرورة الاستفادة من خبرات آسيا في هذا الشأن، وهي تفتقر حتى الآن إلى ميناء قادر على استيعاب البضائع الآسيوية، للعب دور تجاري للكويت كمحطة ترانزيت ما بين آسيا وأسواق أوروبا وإفريقيا!

عمليات توقيع الاتفاقات والعقود التي تحفل بها الجولات الآسيوية بروتوكولية إلى حد كبير، فمثلاً اتفاقية تأسيس الشركة الكويتية - الكورية لبناء مدينة جنوب سعد العبدلله، لا تذكرنا فقط بالشركات الصينية، التي أعلنت الوزيرة السابقة رولا دشتي قبل 3 سنوات، أنها ستشارك في بناء 3 مدن، بل أيضا تطرح العديد من الأسئلة حول كيفية اتساقها مع القوانين الكويتية الخاصة بالمناقصات والترسية، وإن كانت هذه الشركة ستدخل في منافسة مع الشركات الأخرى، أم انها ستحوز عقود التشييد والبناء والتنفيذ وحدها، بموجب الاتفاقية، ما يزيد الأسئلة إلى مدى مصداقية توقيع مثل هذه العقود؟ وهل الهدف منها إيجاد حل فعلي للأزمة الإسكانية، أم مجرد «أداء واجب» مرتبط ببروتوكولات الجولات الآسيوية؟

لا شك أن الرهان على آسيا، سابقاً وحالياً، يعد أحد الرهانات المتميزة لأي دولة تبتغي خلق نمط اقتصادي متطور، غير أن هذه الرهانات تظل في سياق الأمنيات، ما لم تنعكس على دولة، مثل الكويت، بتعديل معادلة الاعتماد على النفط، وإعادة هيكلة سوق العمل، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وإدخال التكنولوجيا إلى مختلف القطاعات الحكومية والخدمية، فضلاً عن التحول إلى بيئة أعمال يمكن اعتبارها مركزاً مالياً وتجارياً، وسوق ترانزيت للبضائع والسلع، وألا تكون هذه الجولات الآسيوية مجرد بروتوكولات واتفاقيات مصيرها كمصير خطط ودراسات طغى عليها غبار الإدارة الحكومية.

back to top