تلقي واشنطن بثقلها لحفظ الشرعية وإبقاء الحكومة والبرلمان العراقيَّين في وضع مستقر، بعد أزمة التعديل الوزاري التي كادت تتسبب في ظهور برلمانَين وحكومتَين في بغداد، لولا الجهود المكثفة التي بُذِلت، والتي لم تنتج حتى الآن إلا تأجيل الأزمة، إذ مازالت الحكومة ناقصة العدد ومجلس النواب يعجز عن الانعقاد بنصاب كامل للتصويت على المناصب الوزارية الشاغرة.

Ad

لكن هناك جانباً لا يقل خطورة عن تماسك مجلسي الوزراء والنواب، وهو حصول شرخ واضح في العاصمة الدينية للشيعة، إذ لا يبدو الهرم النجفي متفاهماً، والمرجع الأعلى صامت لا يتدخل حتى الآن، بينما لا يعلم أحد أين اختفى مقتدى الصدر في اعتكافه الذي أعلنه، كما أن عمار الحكيم بلا مبادرة واضحة وعلاقته بالصدر تبدو سيئة، ولديهما مواقف متعارضة على نحوٍ نادراً ما لاحظناه خلال الأعوام الخمسة الأخيرة على الأقل.

وتحاول النجف أن تتماسك، وتبقي خلافاتها بعيداً عن العلن، ويشيع رجال الدين أن هناك تنسيقاً مشتركاً و«إدارة جيدة لسوء الفهم» بين الأطراف الدينية الرئيسية، لكن هذا لم يمنع تداول شائعات واتهامات واسعة؛ فالشباب الموالون للصدر بدأوا، في كثير من الحالات، يوجهون انتقادات وإهانات لعمار الحكيم لعدم تأييده اقتحام الصدر البرلمان، وحاول عقلاء الصدريين منع ذلك، وأوضحوا أن العلاقة مع الحكيم تاريخية ومهمة، أما الأسوأ فهو أن بعض الشباب المتطرفين بدأوا ينتقدون المرجع السيستاني نفسه، حتى أن مكتب الصدر نشر بياناً يؤكد فيه أهمية السيستاني ومكانته و»حرمة» انتقاده.

وطوال سنواتٍ، منذ عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، المليء بالأخطاء، لعب التقارب بين الأطراف النجفية الثلاثة دوراً مهماً في تخفيف الاحتقانات مع المكونين السني والكردي، وأيضاً مع دول الجوار، كما لعب النجفيون دوراً كبيراً في كبح جماح الميليشيات التي توالي الحرس الثوري الإيراني في العراق، فضلاً عن رعاية النجف متطوعين ينسقون مع الجيش ويدعمون المؤسسة الأمنية للدولة، ما صنع توازناً في كثير من مناطق النزاع.

ولا يستطيع الصدر أن يتحمل غضب السيستاني؛ لأنه سيصبح في عزلة أشد، لكن السيستاني والحكومة العراقية أيضاً سيحتاجان إلى الصدر وجمهوره لـ»ضبط الفوضى» إذا حصلت في الصيف الذي بدأ ساخناً، ويُتوقع أن يشهد احتجاجات إذا عجزت الحكومة عن دفع مرتبات الملايين من موظفيها، إثر تواصل انخفاض أسعار النفط.

كما أن عمار الحكيم لا يستطيع أن يبحث بسهولة عن حليف آخر غير الصدر داخل البيت الشيعي، إذ سيعجز عن التعامل مع المالكي، بل إن رئيس الحكومة حيدر العبادي وجد نفسه بلا حزب ولا كتلة، بعد أن انشق حزبه بين مؤيد للمالكي ضد العبادي، وصامت أو منزوٍ، وهذا ما سيجعل معتدلي الشيعة بحاجة ماسة إلى الصدر حتى وهم غاضبون أو مصدومون من خطواته السريعة والدراماتيكية خلال الأسابيع الماضية، وفقاً لما يُعتقد على نطاق واسع، وهو ما جعل السُّنة والأكراد أيضاً يتجنبون الدخول في صدام معلن مع الصدر، إذ لا أحد يمكنه تخمين كيفية الخروج من الأزمة، في موازاة قدرته على «تثوير» الجمهور واقتحام المناطق المحصنة أو «التحكم في غضب الشعب» بدلاً من السماح لميليشيات موالية لطهران، بركوب موجة الاحتجاجات المرشحة للتصاعد.