بلغة المال، وحسابات المكسب والخسارة، يمكن القول، من دون مبالغة أو مجاملة، إن السينما المصرية لم تحقق العائد المطلوب من وراء مشاركتها في الدورة الثامنة عشرة لـ «مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة» (20 – 26 أبريل 2016)، وأنها اكتفت بالتمثيل المشرف، كعادتنا في المحافل الدولية. فباستثناء جائزة أفضل فيلم روائي قصير، التي منحتها لجنة التحكيم الدولية، برئاسة المخرجة الجورجية نينو كيرتادزي، للفيلم المصري «حار جاف صيفاً» إخراج شريف البنداري (راجع مقالنا عنه في عدد «الجريدة» الصادر في 18 يناير 2016)، خرجت الأفلام المصرية من حلبة السباق الدولي، وارتضت، قانعة وشاكرة، بهبات منحتها إياها منظمات المجتمع المدني المصرية، مثل: ‏مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (act) والجمعية المصرية للتحريك!

Ad

نبدأ بالتنويه إلى الأفلام المصرية التي شاركت في المسابقات المختلفة للدورة الثامنة عشرة، وهي، كما نص عليها الكتاب الرئيس للمهرجان {هدية من الماضي} إخراج كوثر يونس و}توك توك} إخراج روماني سعد (مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة)، {عين الحياة} إخراج وفاء حسين (مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة)، {صولو} إخراج نيرة الصروي (مسابقة أفلام التحريك)، بالإضافة إلى فيلم {حار جاف صيفاً} إخراج شريف البنداري (شارك وانتزع جائزة أفضل فيلم في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة)، ومع إعلان النتائج في حفل الختام، الذي استضافه قصر ثقافة الإسماعيلية مساء السادس والعشرين من أبريل، بدا واضحاً أن فيلماً من الأفلام المصرية الخمسة، باستثناء {حار جاف صيفاً}، لم ينل اهتمام لجنة التحكيم الدولية، ولم تعره انتباهاً، بدليل أنها لم تمنحه شهادة تقدير على سبيل التنويه!

في ظل هذا التجاهل، لم يكن أمام الأفلام المصرية الأربعة سوى انتظار ما تجود به المنظمات الأهلية، التي تمنح جوائز فرعية،  ولم يخب ظن أصحابها، بعد أن منح مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (act) جائزته لفيلم {حار جاف صيفاً} بينما ذهبت جائزة الجمعية المصرية للتحريك للإبداع التقني إلى فيلم {صولو} واكتفى المخرج روماني سعد بجائزة {الماسة} المستحدثة، بواسطة ورعاية شركة إنتاجية تحمل الاسم نفسه، وتصل قيمتها إلى خمس وعشرين ألف جنيه مصري (نحو 2500 دولار أميركي)!

حدث هذا في الوقت الذي انتزع فيه الفيلم اللبناني {موج 98} إخراج إيلي داغر جائزة أفضل فيلم تحريك، وخرجت بقية الأفلام العربية من سباق الجوائز. لكن المناسبة تقتضي منا التوقف عند فوز الفيلم اللبناني بجائزة يستحقها بالطبع، لكن هل يمكن الحديث عن تكافؤ فرص بين فيلم حصد جائزة {السعفة الذهبية} في واحد من أكبر، إن لم يكن الأكبر بالفعل، مهرجانات السينما في العالم، والأفلام الأخرى؟ وكيف يمكن للجنة التحكيم أن تتجاهل {موج 98} وتفكر في منح الجائزة لفيلم آخر من دون أن تُتهم بالجهل؟

في رأيي – المتواضع –عرض الأفلام الفائزة بجوائز مهرجانات كبرى في مهرجاناتنا المصرية واجب لا ينبغي التفريط فيه، لأجل إرواء ظمأ الجمهور والنقاد وعاشقي السينما، بشرط ألا تدخل سباق الجوائز إعمالاً لمبدأ تكافؤ الفرص، وهو ما ينطبق على الفيلم اللبناني، الذي فوجئت لجنة تحكيم مهرجان الإسماعيلية بأنها مُطالبة بتقييمه، ومقارنته بأفلام التحريك الأخرى، ولم تجرؤ، بالطبع، على تجاهله أو المرور عليه مرور الكرام، ومن ثم منحته جائزتها الكبرى!

تبقى الإشارة إلى التقاء الرؤى، الذي تجلى بشكل غير متفق عليه، في اتفاق لجنة التحكيم الدولية، التي تضم خيرة العناصر السينمائية في العالم، كالمخرجة التسجيلية نينو كيرتادزي (جورجيا)، المخرج هراشيا كشيشيان (أرمينيا)، فنانة التحريك أنيت ميليس (لاتفيا)، المخرجة والمنتجة مي عودة (فلسطين)، والناقد السينمائي المصري عصام زكريا، ولجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين، التي تضم ثلاثة نقاد فقط، على منح جائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل للفيلم الإيطالي {بين شقيقتين} إخراج مانو جيروسا، وهو اتفاق لو تعلمون عظيم، ويحمل من الدلالات والإشارات ما يؤكد أن لجنة تحكيم النقاد المصريين التزمت المعايير النقدية الموضوعية، ونجحت في تجاوز الظروف الصعبة التي واجهتها أثناء أداء عملها، حيث كان عليها أن تغادر مكان الإقامة لتلحق بعرض العاشرة صباحاً في الصالة المخصصة لعروض الصحافيين والنقاد، وتغادر القاعة في الثالثة والنصف ظهراً لتلحق بموعد الغداء، ثم تعود قبل الرابعة مساء، لتواصل مشاهدة الأفلام، بكل ما في هذا من معاناة، ومشقة، في الوقت الذي وفرت إدارة المهرجان كل السبل التي تُعين لجنة التحكيم الدولية على أداء مهمتها بيسر وراحة ورفاهية، كما فعلت عندما فصلت بينها وبين الجمهور، ورواد صالة العرض، وأتاحت لرئيستها وأعضائها فرصة مشاهدة أفلام المسابقة في قاعة خاصة بالفندق المخصص كمقر للإقامة!