لا تستطيع الولايات المتحدة فعل الكثير بشأن «داعش»
في عام 2003 طرح ديفيد بتريوس الذي كان آنذاك قائد فرقة في العراق سؤاله الشهير: "أخبروني: ما نهاية كل هذا؟"، مشيراً إلى الصراع الذي كان قد بدأ في ذلك البلد، كان هذا السؤال وجيهاً حينذاك، وما زال كذلك اليوم. تحظى الحرب ضد تنظيم "داعش" بالكثير من الاهتمام، إلا أن الجزء الأكبر منه يركّز على الحاضر: هل تحسنت الحرب ضد "داعش" هذا الشهر مقارنة بالشهر السابق أم ازدادت سوءاً؟ وهل تتسع رقعة المناطق التي يسيطر عليها "داعش" أم تتقلص؟ وهل تقتل الضربات الجوية الأميركية عدداً أكبر أم أقل من قادة هذا التنظيم؟ ولكن لا أهمية لكل هذه المسائل ما لم تساهم في وضع حد لهذا الصراع وفق شروط تستطيع الولايات المتحدة القبول بها. فهل هي كذلك؟تنتهي الحروب عادةً نتيجة تعب الأطراف المشاركة فيها، وتحرق الحروب العواصم وتدمّر الثروات، حتى المقاتلون الأشد يستنفدون في النهاية كل مواردهم الاقتصادية الضرورية لدعم حربهم، مما يُضطرهم إلى التوقف، لكن هذا النوع من التعب قد يستغرق وقتاً طويلاً في العراق وسورية ويخلّف وراءه الكثير من الأضرار.
لكن المشكلة الحقيقية تمتد أعمق من "داعش"، فيشارك في الحرب في العراق وسورية عدد من المجموعات المتحاربة، يُعتبر الكثير منها أكثر خطورة على المصالح الأميركية، مقارنة بـ"داعش"، فضلاً عن أن عدداً كبيراً منها يسعى إلى منافسة "داعش" بصفته المجموعة الجهادية الأبرز التي تواجه الغرب. من الناحية العملية، لا يتواقف الجواب عن سؤال بتريوس الشهير على السياسة الأميركية، فإن سلكت هذه الحرب المسار عينه كما الكثير من سابقاتها، فلن تأتي نهايتها بهجوم يشنه الحلفاء للسيطرة على عاصمة ما، بل نتيجة التعب المتبادل لعدد من اللاعبين الذين يتمعون بعدد من الرعاة الخارجيين الأثرياء. لا شك أن هذا ما ستؤول إليه الأمور، إلا أنه سيستغرق سنوات طويلة على الأرجح، ولن تتمكن الجهود الأميركية من تبديل هذه الأسس في ظل غياب عملية كبيرة تهدف إلى نشر الاستقرار وبناء الأمة (علماً أن أميركيين قلائل يدعمون خطوة مماثلة) أو إنجاز دبلوماسي مهم يهدئ مخاوف الإيرانيين، والروس، والسعوديين الطويلة الأمد. نتيجة لذلك لا يتبقى للأميركيين سوى الصبر والاحتواء اللذين يشكلان ركيزة السياسة الأقل سوءاً، في حين ينتظرون أن تخبو هذه الحرب من تلقاء ذاتها.في هذه الحالة قد لا تكون المساهمة الأميركية الأهم في سورية والعراق في الميدان. يجب أن تشمل استراتيجية الاحتواء الذكية جهوداً جدية لمساعدة القوى الإقليمية على التعامل مع التداعيات الإنسانية الناجمة عن أعمال العنف في سورية والعراق، الحد من خطر أن تواجه الدول المجاورة مصير هذين البلدين، وتشجيع التسويات السياسية الطويلة الأمد إن أمكن، كذلك من الضروري أن يشكّل تقديم الدعم للعراق، والأردن، وتركيا بغية مساعدتها على تأمين ظروف مقبولة للاجئين كي لا يفقدوا مهاراتهم وكي يتلقى أولادهم التعليم جزءاً من أي سياسة ناجحة، وينطبق الأمر عينه على التعاون الدبلوماسي الناشط مع حكومة العراق للتأكد من أنها تحكم بإنصاف وعدل الشريحة السنية من شعبها، علماً أنها ما كانت تقوم بذلك خلال السنوات الثلاث التي سبقت نجاحات "داعش" العسكرية في العراق عام 2014، بالإضافة إلى ذلك، قد تساهم المساعدة الإنسانية في الحد من الخطر الإرهابي في الغرب، إذ يقوم أفضل جهاز استخبارات لكشف المؤامرات، كتلك التي هزت أخيراً بروكسل، وإسطنبول، وباريس، على التعاون الناشط مع الناس الذين يسعى الإرهابيون إلى الاختباء بينهم، فكلما تفاقم البؤس بين الشعوب المعدومة التي تقتفر إلى المسكن والغذاء الملائمين نما الغضب الذي يغذي الإرهاب، وباتت الشعوب في هذه البلدان وجالياتها في الغرب أقل استعداداً لدعم الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب. إذاً لا تشكّل المساعدات الإنسانية طريقة تفاعل ملائمة مع المعاناة فحسب، بل نظراً إلى ضآلة ما تستطيع الخيارات العسكرية المتوافرة تحقيقه، فقد تمثّل أيضاً أداتنا الأفضل لمكافحة الإرهاب.جاكوب شابيرو & ستيفن بيدل