ما قل ودل: لماذا لا نذهب إلى التحكيم في قضية «تيران» و«صنافير»؟

نشر في 08-05-2016
آخر تحديث 08-05-2016 | 00:00
 المستشار شفيق إمام سؤال مشروع طرحه الكاتب الكبير صلاح منتصر في صحيفة "الأهرام" يوم 19 أبريل الماضي وجعله عنواناً لعموده اليومي.

س: لماذا لم نذهب إلى التحكيم للبتّ في قضيتي "تيران" و"صنافير"؟ هل بسبب علاقة الصداقة بين البلدين؟

وأجاب عنه بالآتي:

ج: لا تمنع صداقة بلدين من إحالة نزاع بينهما إلى التحكيم الذي يعد وسيلة سلمية لحل نزاع مختلف عليه بين دولتين.

وعاد ليطرح سؤالا آخر، كانت إجابته عنه، هي مقصده من المقال وبيت القصيد فيه.

س: لماذا إذاً لم نستخدم التحكيم لحسم الخلاف حول الجزيرتين؟

ج: ليس هناك خلاف بين البلدين حتى يحتاج إلى اللجوء إلى التحكيم، وحتى تذهب دولة إلى التحكيم لا بد أن يكون لديها الأدلة والوثائق التي تؤكد حقها في الأمر المتنازع عليه، وليس لدى مصر وثائق تبرر بها طلبها، بل إن لجان الخبراء والفنيين لتعيين الحدود البحرية بين البلدين انتهت إلى وقوع الجزيرتين في المياه الإقليمية السعودية.

للتحكيم فوائد جمة

ولا أملك أمام هذه الإجابة أو تلك إلا تذكير الأستاذ صلاح منتصر، بأنه كان واحدا من الكتّاب الذين تصدوا للأقلام التي كانت ترفض اللجوء إلى التحكيم في طابا، ومنها مقال للمناضل الوطني الراحل فتحي رضوان تحت عنوان "طلب التحكيم حول طابا وقبوله خطأ وطني"، حيث يقول صلاح منتصر في نهاية عموده اليومي (مجرد رأي) في صحيفة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 10/ 12/ 1986، "ولكن ذلك لا يمنع من أن تنتظر 15 شهرا حتى تنطق المحكمة بحكمها النهائي".

وقد غابت عن الكاتب الكبير كثير من الحقائق التي نطرح بعضها فيما يلي:

أولا- أنهم بشر وقد يخطئون:

 ذلك أن الخطأ وارد ومقبول دائما في أي عمل إنساني، لأن الكمال ينفرد به الله وحده، وأنه ليس لإنسان كائنا من كان، حاكما أو محكوما، أن يداخله شعور بأنه قد بلغ الكمال في عمله أو في قرار اتخذه.

الاتفاقيات الاستثمارية وترسيم الحدود

وقد كان الربط بين (17) اتفاقية استثمارية وقعتها مصر والسعودية في شتى المجالات الاستثمارية، واتفاقية ترسيم الحدود التي وقعها الطرفان، خطأ كبيرا قد ألقى في حد ذاته ظلالاً من الشك والريبة حول الاتفاقية الأخيرة، وخلق شعورا لدى المواطن بأنها صفقة واحدة، دفعت فيها مصر ثمنا باهظا وفادحا هو قطعة عزيزة وغالية من أرضها، وقامت بسببها ثلاث حروب، سقط فيها آلاف الشهداء من أبناء مصر.

ذلك أنه ما كان يجوز الربط بين الاستثمار وبين ترسيم الحدود بين البلدين، فالاستثمار يفترض أن يعود بالخير على المملكة ومصر، ويقوم على دراسات جدوى اقتصادية محفوفة بالمخاطرة والمجازفة في بعض الأحيان، وهي اتفاقيات تقبل الرجوع فيها وعنها، إذا كان العائد منها غير مجزٍ.

أما ترسيم الحدود، باتفاقية موقعة من الطرفين، فسوف يصدّق عليها برلمان يفترض فيه أنه يمثل الشعب، فهو قرار نهائي لا رجعة فيه.

ولعل هذا الفارق الكبير بين الاستثمار وترسيم الحدود هو ما كان يفرض على الجانب المصري أن يتريث في توقيع اتفاقية ترسيم الحدود حتى يطمئن إلى تنفيذ الجانب السعودي للاتفاقيات الاستثمارية سالفة الذكر.

خطأ قانوني في رأي د. مفيد شهاب

وقد وصف الدكتور مفيد شهاب ربط إسرائيل موافقتها على التحكيم في ترسيم الحدود وأحقية مصر في طابا، بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية، بينها ويبن مصر بأنه غير جائز قانونا. (مقال للدكتور مفيد شهاب في صحيفة الأهرام في عددها الصادر في 6/ 2/ 1986 تحت عنوان: طابا... والتحكيم... والعلاقات الثنائية).

إلا أنه مع ذلك فإن الموقف الإسرائيلي السابق يكشف عن حنكة سياسية غابت عن الجانب المصري في التوقيع على اتفاقية رسم الحدود مع الاتفاقيات السبع عشرة فقد كانت إسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد تعلم بيقين أن طابا جزء لا يتجزأ من الأرض المصرية، ولكنها مع ذلك حرصت على أن تعتبر طابا من النقاط المتنازع عليها، والتي تترك للتحكيم، حتى تطمئن إلى قيام مصر بتنفيذ المعاهدة.

ثانيا– التاريخ لن يغتفره لزعيم وطني

ولن أعود لأكرر ما كتبته في مقال الأحد 17 أبريل الماضي من الضياع السياسي الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب المصري، وحالة الغضب التي انتابته، وقد كان الإعلان عن توقيع الاتفاقية مباغتا للجميع.

وأزعم أن التصديق على هذه الاتفاقية من البرلمان رغم حالة الغضب الشعبي التي يعيشها الشعب المصري الآن سوف يكون سقطة سياسية، لن يغتفرها التاريخ لزعيم وطني أحب شعبه، وبادله الشعب حباً بحب، أحب شعبه عندما انحاز بجيش مصر الوطني إلى الشعب، وإلى الأمة مصدر السلطات جميعاً، والذي بادله الشعب حبا بحب عندما خرجت الملايين لتصوت له في انتخابات رئاسية حصل فيها على 23.381.262 صوتا بأغلبية 92.4% من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم.

ثالثا- «تيران» والأمن القومي المصري والعربي

لقد كانت "تيران"، كما قلنا، سببا في حروب ثلاث خاضتها مصر، دفاعا عن أمنها القومي وعن الأمن العربي، وفي الدفاع عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الدفاع عن سورية، عندما منعت مصر السفن الإسرائيلية من المرور من مضيق "تيران"، وهو ما تسمح به قواعد القانون الدولي العام في حالة قيام حرب بين دولتين.

صحيح أن مصر وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل إلا أن أسرائيل لا تزال تعتبر مصر عدوها الأول، وهي تراقب وتنتظر اللحظة التي تستطيع فيها الانقضاض على مصر لتحقيق حلمها الكبير من النيل إلى الفرات، الأمر الذي تصبح فيه جزيرة تيران خط الدفاع الأول عن مصر، في مواجهة أي حرب قادمة مع إسرائيل.

وأزعم أن الكاتب الكبير صلاح منتصر قد نبه إلى هذا الخطر على الأمن القومي المصري، في مقاله الذي حمل عنوان "لماذا لا نذهب إلى التحكيم"، والذي استهللنا به هذا المقال، عندما طرح في عجز مقاله سؤالا آخر.

س: من القارئ إيهاب الشافعي: هل تأمن مصر عدم قيام السعودية بالسماح لتركيا في ظل التعاون الاستراتيجي بينهما بإقامة قواعد عسكرية فيهما؟

وهو ما يجعلني أطرح سؤالا آخر هو:

هل تأمن المملكة قبل مصر، بعد زوال سيادة مصر عن الجزيرتين أن تصبحا قاعدة لـ"داعش"، أو لغيره من الجماعات الإرهابية، وأزعم أن دعوة محمد بن عبدالوهاب في المملكة العربية السعودية هي دعوة لا تخلو من التطرف الديني وقد خرجت منها جماعة بن لادن وغيرها من جماعات إرهابية.

وقد لا ينسى أصحاب هذه الدعوة خصومتهم الثأرية مع محمد علي، والي مصر الذي جرد حملة لمحاربة الوهابيين بناء على طلب السلطان العثماني، وكانوا قد أعلنوا عصيانهم على السلطان، ومنعوا الحجيج من إقامة شعائر الحج وهي الحملة التي استغرقت سبع سنوات، وانتهت بالزحف على الدرعية، معقل الوهابيين، وحصارها وتدميرها بالكامل في سبتمبر سنة 1818.

back to top