مسؤولية المحامي في مذكرات الدفاع
أثير في وسائل التواصل الاجتماعي إحالة أحد المحامين إلى النيابة العامة بتهمة الإخلال والتشكيك في نزاهة عدد من القضاة، على أثر إيداعه صحيفة دعوى، بطلب بطلان قرار غرفة المشورة بمحكمة التمييز، تضمنت عبارات وألفاظا معينة.ومن الضروري تأكيد أننا لا نتعرض لقضية المحامي سالف البيان تحديداً، بل نتناول الموضوع بشكل عام، دون أن نتعرض لحالة بعينها، مستخدمين في ذلك المنهج الوصفي التحليلي لسقف العبارات، وكيفية إسقاطها على وقائع الحكم أو القرار، وليس أعضاء الهيئة الذين أصدروا الحكم أو القرار، إذ تنص المادة 147 من قانون الجزاء الكويتي على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز مائة وخمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص أخل، بوسيلة من وسائل العلانية المبينة في المادة 101، بالاحترام الواجب لقاض، على نحو يشكك في نزاهته أو اهتمامه بعمله أو في التزامه لأحكام القانون. ولا جريمة إذا لم يجاوز فعل المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة لحكم قضائي، سواء تعلق النقد باستخلاص الوقائع أو تعلق بكيفية تطبيق القانون عليها».
وتنص المادة 101 من قانون الجزاء الكويتي -قبل إلغائها- على أن: «كل من حرض علناً في مكان عام، عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر».ومن تلك النصوص يتضح أنه لقيام مسؤولية المحامي الجزائية عما أورده من ألفاظ وعبارات في صحف دعواه أو طعنه أو مذكرات دفاعه وفقاً للمادة 147 من قانون الجزاء لابد من تحقق أركان الجريمة، فالركن المادي يتحقق في الإخلال بوسيلة من وسائل العلانية بالاحترام الواجب لقاضٍ، على نحو يشكك في نزاهته أو اهتمامه بعمله أو في التزامه لأحكام القانون. وأحال المشرع إلى المادة 101 من قانون الجزاء لبيان وسائل العلانية، ولما كانت هذه المادة قد ألغيت بصدور القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء المعمول به اعتبارا من 26/8/1970، إذ نصت المادة الأولى من هذا القانون على إلغاء المواد من 92 إلى 108 من قانون الجزاء بشأن جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي، والاستعاضة عنها بالمواد من 1 إلى 34 من هذا القانون، الأمر الذي أضحت معه الإحالة إلى المادة 101 سالفة الذكر لا محل لها بعد إلغائها، إلا أن ذلك لا يعني أن نص المادة 147 من قانون الجزاء لا محل لإعماله، وآية ذلك أن المادة 101 من قانون الجزاء قبل إلغائها –المحال إليها بموجب المادة 147 جزاء– لم تكن تحدد وسائل العلانية على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال، إذ إن مرد الأمر في النهاية إلى محكمة الموضوع باعتبارها مسألة موضوعية تخضع لمطلق تقدير المحكمة مادامت أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصل ثابت في الأوراق.ومن ثم لا أثر لإلغاء المادة 101 من قانون الجزاء على استمرار العمل بأحكام المادة 147 من قانون الجزاء، وإنما يكتفي قاضي الموضوع بإثبات قيام ركن العلانية، وهو الذي يقصد به أن يتحقق فعل الإخلال في مكان عام أو على مسمع أو مرأى ممن هو في مكان عام، فبذلك تتحقق العلانية التي عنى بها المشرع في المادة 147 من قانون الجزاء، وهو الأمر الذي يعني أن وسائل العلانية ليست محددة حصرا، والركن المعنوي وهو الركن الذي يأخذ صورة القصد الجنائي العام ويتحقق في انصراف علم الجاني وإرادته إلى فعل الإخلال علانية بالاحترام الواجب لقاض، على على نحو يشكك في نزاهته أو اهتمامه بعمله أو في التزامه لأحكام القانون.وبالتالي فإن المحامي إذا أعاب في شخص رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم أو أعضائها فإنه حتماً يكون قد جاوز حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة لحكم قضائي، سواء تعلق النقد باستخلاص الوقائع أو بكيفية تطبيق القانون عليها - بل إن المادة 147 آنفة الذكر ورد فيها اللفظ «ولا جريمة... لحكم قضائي»، بالتالي المراد في الطعن على الأحكام أو القرارات الصادرة من رجال القضاء هو أن يكون الحكم قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وليس أعضاء الدائرة الذين أصدروا الحكم - أو أن يتعين بالإساءة والإخلال للقاضي أو المستشار أو لأعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم، وأخيرا فإن هذا الإخلال بالاحترام الواجب لقاض استوجب المشرع أن يتوافر في وسيلة من وسائل العلانية المتمثل في المكان العام على سبيل المثال أمام قسم إدارة الكتاب في المحكمة، مرورا بكل الإدارات المختصة، كما أنه كان على مرأى ومسمع من أشخاص آخرين غير المجني عليه، وهم على سبيل المثال الموظف الذي يتولى وظيفة ضابط الدعاوى.لو سلمنا جدلا أن الدفع والدفاع الذي أبداه المحامي في صحيفة دعواه أو طعنه أو مذكرة دفاعه موجها إلى المحكمة كالنعي على الحكم بصدوره من هيئة غير صالحة لنظر الدعوى لوجود سبب من أسباب عدم الصلاحية كأن يكون القاضي أو أحد أعضاء الدائرة التي أصدر الحكم صهرا أو قريبا لأحد الخصوم من الدرجة الرابعة لابد أن تكون الألفاظ والعبارات الواردة تعتبر من ضروريات ومستلزمات إبداء الدفع والدفاع، ومن ثم لا ينبغي له أن يتجاوز فيها على نحو مؤد إلى الإخلال بالاحترام الواجب لقاض على نحو يشكك في نزاهته أو اهتمامه بعمله أو في التزامه لأحكام القانون كأن يوصف القاضي بالمتقاعس أو بأنه متحيز لأحد الخصوم أو أن التصرف الذي قام به القاضي يؤدي إلى زعزعه ثقة المتقاضين في القضاء.