تقرير اقتصادي: تصنيفات الخليج الائتمانية تكشف محدودية الإصلاح الاقتصادي
● التوجه نحو سوق الديون متاح حالياً ومرهق على المديين المتوسط والطويل
● الإجراءات الخليجية لخفض الدعم لا تكفي لمواجهة عجز الميزانيات
● الإجراءات الخليجية لخفض الدعم لا تكفي لمواجهة عجز الميزانيات
لا يزال تصنيف "موديز" لدول الخليج مرتفعاً حتى بعد الخفض والنظرة السلبية، إلا أن تقرير المؤسسة الائتمانية يرى خطورة اعتماد الموازنات والاقتصادات الخليجية على النفط وغياب آليات الإصلاح الاقتصادي.
وضعت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية دول الخليج مجتمعة امام تحدٍّ غير مسبوق، نتيجة لضعف قدراتها الاقتصادية على مواجهة الانخفاض الحادّ في اسعار النفط العالمية.ففي مطلع الأسبوع الحالي، خفضت "موديز" تصنيفات ثلاث دول من مجلس التعاون الخليجي هي السعودية وعمان والبحرين، ومنحت النظرة السلبية لثلاث اخرى، هي الكويت والإمارات وقطر، وكانت البحرين الدولة الوحيدة في التصنيف التي جمعت ما بين خفض التصنيف الائتماني والنظرة السلبية المستقبلية.ورغم ان تصنيف موديز لدول الخليج لا يزال مرتفعا حتى بعد الخفض والنظرة السلبية الا ان تقرير المؤسسة الائتمانية وقبله تقارير لمؤسسات تصنيف اخرى مثل "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" كلها اجمعت على خطورة اعتماد الموازنات والاقتصادات الخليجية على النفط وغياب آليات الاصلاح الاقتصادي، مع الرهان متوسط المدى على الاعتماد على الاصول السيادية حال تدهور اسعار النفط إلى مستويات متدنية.عامان بلا سياساتومن خلال تصنيف موديز لدول الخليج يمكن التوصل إلى مجموعة من النتائج عن آليات تعاطي حكومات المنطقة مع تراجع اسعار النفط، وما ترتب عليه من تصنيفات وجدارة ائتمانية, وأبرزها:- ان دول الخليج لم تتخذ من بدء تدهور اسعار النفط قبل عامين تقريبا اي اجراءات من شأنها حماية اقتصاداتها من مخاطر الانخفاض الحاد في الايرادات وان خطط الاصلاح الاقتصادي والمالي لا تزال في مرحلة اولية، مع عدم الجزم بفعالية هذه الخطط في تغيير معادلة الاعتماد المبالغ فيه على النفط والتي كانت السبب الجوهري في مراجعة تصنيفات "الخفض او النظرة السلبية"، الامر الذي يستدعي الاعتماد على مصادر دخل ضريبة متنوعة، من استثمارات محلية وأجنبية واستهداف رفع نسب الايرادات غير النفطية.ليس الدعم وحده- اتخاذ اجراءات كرفع اسعار المحروقات التي اتبعتها دول خليجية عديدة لن ينعكس بالضرورة على التصنيف الائتماني إيجابا، لأن المطلوب هنا ليس عملية إعادة تسعير خدمات وسلع، بل خلق اقتصادات توفر ايرادات موازية لايرادات النفط، إذ تشكل عائدات النفط لدول مجلس التعاون الخليجي 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل في الكويت الى 60 في المئة، بينما تشكل نفس الايرادات ما بين 80 الى 93 في المئة من اجمالي تمويلات الموازنات الخليجية، مما يعني ان امكانية الانكشاف امام اسعار النفط مرتفعة الى حد كبير، وحتى الارتفاع في اسعار النفط الذي صاحب ليلة اعلان التصنيف إلى نحو 47 دولاراً للبرميل كأعلى سعر منذ بداية العام لم يمنع من مراجعة التصنيفات.يذكر ان "موديز" اعتبرت منذ مطلع العام الحالي أن إجراءات خفض الدعم الحكومي التي أقرتها دول خليجية لا تكفي لمواجهة العجز الناتج عن تهاوي أسعار النفط، اذ انها تغطي 0.5 في المئة من الناتج المحلي في حين يعادل العجز المتوقع في 2016 نحو 12,4 في المئة من نفس الناتج. فوائض واستثمارات- الفوائض المالية القياسية التي تمتعت فيها على الاقل 4 من 6 دول في مجلس التعاون الخليجي لنحو 15 عاما لم تنعكس ايجابا على اقتصادات هذه الدول التي بدت منكشفة امام تراجع اسعار النفط, صحيح ان هذه الفوائض دعمت من سيولة واستثمارات الصناديق السيادية لهذه الدول وباتت موجودة بقوة بمئات المليارات من الدولارات في صفقات واستحواذات متنوعة القطاعات، الا انها لم تنعكس داخليا في بناء اقتصادات انتاجية او توفير فرص عمل او تنويع مصادر الدخل والقاعدة الاقتصادية او حتى تقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد، فبعض دول الخليج لديها واجهات من الشركات "الخاصة" في حقيقتها برأسمال حكومي تصل الى 70 في المئة.شكوك وغموض- الخطط المعلنة الاخيرة لحكومات الدول الخليجية وخصوصا الكويت والسعودية والامارات في مواجهة المصاعب الاقتصادية لم تحظ بدرجة عالية من القبول في تصنيفات موديز، اذ اعتبرت المؤسسة الائتمانية أن الخطط الحكومية السعودية لن تكفي -على الأرجح - للحفاظ على قوة الاقتصاد والميزانية العمومية، وأن هناك حالة من عدم اليقين حول مدى قدرة الحكومة الكويتية على تنفيذ الإصلاح المالي والاقتصادي بشكل فعال، فضلا عن المحاذير السياسية التي ترتبط بإصدار اي قرار، وحتى بالنسبة للامارات التي يسود الاعتقاد ان وضعها المالي والاداري افضل من بقية دول الخليج انتقدت الوكالة عدم وضوح سياساتها الحكومية لوقف عجز الموازنة وتدهور الأصول نتيجة انخفاض أسعار النفط الذي سيؤدي إلى تآكل الاحتياطات المالية مع مرور الوقت.استدانة وسندات- خلال الاشهر القليلة الماضية تنامت ظاهرة توجه دول الخليج نحو الاستدانة، اذ اصدرت الامارات والسعودية سندات قيمتها 5 مليارات دولار لكل منها، في حين تسعى الكويت وقطر لاصدار سندات بنفس المبلغ , ولعل التوجه إلى سوق الديون في الوقت الحالي يمكن اعتباره خيارا معقولا لتمويل العجز في موازنات دول المنطقة، خصوصا في ظل ارتفاع التصنيف الائتماني رغم "الخفض والنظرة السلبية"، إلا أنها على المدى الطويل لا يمكن اعتباره حلاً للازمة، إذ ان المبالغة في الاستدانة تؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للدولة، وكلما انخفض هذا التصنيف كان اللجوء إلى سوق السندات والاقتراض خياراً اصعب من السابق.نظرة سلبيةمحلياً, رغم أن الكويت حافظت على تصنيفها عند AA2، فإن "موديز" أسهبت في عرض عوامل الضعف في الإدارة المالية الكويتية، من حيث سلبيتها على الاقتصاد الكويتي، مما يجعل عوامل القوة كانخفاض حجم الدين الحكومي وضخامة مستوى الموجودات المحلية والخارجية تحت ضغط الشكوك حول قدرة الحكومة في القيام ببرنامج إصلاحي، او ضعف بيئة ممارسة الأعمال، فضلاً عن التصريح بأن عدم اتخاذ إجراءات جادة سيعمل على حدوث تدهور في الوضع الائتماني للدولة.ميزة تقارير التصنيف الائتماني ليست في أنها تكشف جديداً لا يعرفه متخذ القرار، بل في أنها- على الأقل - ترشّد الاندفاع ببعض الخطط اذا لم تكن مفيدة، او كانت منحرفة عن مقاصد الإصلاح الاقتصادي الحقيقي.