فجر يوم جديد : «يوم أصبحت الرئيس»!
قبل انطلاق الدورة الثامنة عشرة لـ {مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة} (20 – 26 أبريل 2016) شرفتني جمعية نقاد السينما المصريين (عضو الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية {فيبريسي}) باختياري رئيساً للجنة تحكيم النقاد التي تمنح جائزة لأفضل فيلم عُرض في المسابقة الدولية للمهرجان. وبقدر فرحتي، وهذا أمر طبيعي، بهذا الاختيار، الذي جاء بعد مشاركتي في عضوية لجان تحكيم كثيرة، إلا أنني اكتشفت، بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، أنني وقعت في فخ عظيم!{ما أصعب أن تكون رئيساً} فأنت مُطالب بأن تُجند نفسك لخدمة المهمة المكلف بها، والتضحية برغبتك الشخصية في اختيار الفيلم الذي تريد متابعته من بين أفلام المهرجان، لتجد نفسك مُرغماً على مشاهدة جميع الأفلام المختارة بحلوها ومرها، ورديئها وجيدها. بل إنك مُطالب بأن تتحلى بالصبر وأنت تشاهد فيلماً تسجيلياً استغرقت مدة عرضه على الشاشة 110 دقائق، رغم أن قضيته يمكن أن تُطرح، وتأخذ حقها بالكامل، في نصف ساعة على أكثر تقدير، وأن تتأنى قبل الحكم على فيلم ما تُدرك منذ البداية أن لا علاقة له بفن السينما. وليس عليك أن تُفاجأ، أو تُصدم، في حال اكتشفت أن ثمة أفلاماً لا تستحق المال أو الجهد الذي أنفق عليها، ووقتها تتساءل بغضب: {كيف تم تمرير هذا الفيلم السيئ؟ وأي لجنة مشاهدة تلك التي وافقت على اختياره؟}!
{يوم تُصبح الرئيس} عليك أن تمنح، ولجنتك، جائزة واحدة لأفضل فيلم في حين تمنح لجنة التحكيم الدولية للمهرجان ست جوائز (أفضل فيلم في مسابقة الأفلام التسجيلية/ لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية/ أفضل فيلم في مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة/ لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة/ أفضل فيلم في مسابقة أفلام التحريك/ لجنة التحكيم مسابقة أفلام التحريك) بكل ما يعنيه هذا من معاناة ومشقة بالغة، لأنك ستجد نفسك مُحاصراً على الجبهات كافة. فالفيلم التسجيلي الطويل ينتظر أن تنصفه وتمنحه الجائزة الوحيدة للجنة، كذلك الحال بالنسبة إلى الفيلم التسجيلي القصير، والروائي القصير، وفيلم التحريك، مع ضرورة الاعتراف بصعوبة اجتماع هذه الأنواع كلها معاً! {يوم تُصبح الرئيس} عليك أن تكون {ديمقراطياً}، وتُفسح المجال كاملاً لكل عضو في اللجنة كي يعبّر عن رأيه، وذوقه، ويُعلن اختياراته، ويتشبث بها، حتى لو كانت تتعارض، وتتناقض، مع {أيديولوجياتك} أو تنسف قناعاتك، ومن لا يفعل هذا سيصبح {دكتاتوراً} أو يخفي هذه الدكتاتورية وراء لقب {كبير العائلة}!هل يعني هذا أن {الرئيس} لا يستمتع، ويجند نفسه، ووقته، لأجل الخدمة العامة؟بالطبع لا، فثمة من يعود عليه المنصب بفائدة مادية، كأن يحصل على مكافأة مُجزية، وهذا غير متحقق في لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين، لأنها فقيرة الميزانية، ولا تملك رفاهية منح مكافآت مالية، وترحب بالمتطوعين، ومخلصي النية {لوجه الله... والوطن}، وثمة من يحقق مكاسب معنوية من منصب {الرئيس}، كالاستفادة من الاهتمام الإعلامي، وفرحته بأن يُصبح محط الأنظار في المهرجانات الكبرى المرموقة، بدءاً من السيارة {الليموزين} المخصصة لتنقلاته، مروراً بالصحافة التي تهرع للفوز بحوار حصري معه، ووصولاً إلى الإقامة المريحة في أكبر فنادق العالم، وهو ما لا يتوافر، بالطبع، في مهرجان الإسماعيلية، ومن ثم يقنع المرء، ويطير فرحاً، لأن تجربة {الرئيس} ستمثل إضافة كبيرة إلى سيرته الذاتية باعتبارها محطة مهمة في مسيرته المهنية!{رئيس الأسبوع} هو الوصف الدقيق الذي يُمكنني إطلاقه على تجربتي في الدورة 18 لـ {مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة}، حيث يمكنني القول، من دون مبالغة، إن قراراً غير مُعلن صدر بتحديد إقامتي، واللجنة، في قرية تحمل اسم {25 يناير}، وهي بالمناسبة منتجع سياحي مخصص لضباط الشرطة، وفي حال استثنائي من الإقامة المحدودة يمكنني التحرك، في ظل حراسة يتقدمها رجل أمن يستقل دراجة بخارية، باتجاه دار العرض المخصصة لعرض أفلام المسابقة، ثم العودة إلى المنتجع مباشرة. غير أن التجربة، في الأحوال كافة، كانت ممتعة، بحق، خصوصاً مع اقتراب ساعات الرحيل، وضرورة إغلاق الملفات المفتوحة، وعلى رأسها اختيار الفيلم الذي يستحق الفوز بالجائزة الوحيدة للنقاد، من بين ما يقرب من 75 فيلماً تتصارع عليها، وجلسة المناقشة النهائية، ثم مغادرة {الكرسي} لتتهيأ بعدها لتحمل الطعنات، والكلمات التي تتحول إلى لكمات، واتهامات التشكيك في النتيجة، والاعتراض على ذهاب الجائزة إلى فيلم دون آخر، وهي اتهامات ينبغي ألا تجد لها صدى عند {الرئيس} الذي يعرف أنه أدى مهمته، بما يُرضي الله، وبما يمليه ضميره، وأنه سيعود إلى ممارسة حياته، وإلى النقد الذي عشقه، ولن يكون أبداً {الرئيس المخلوع} أو {المعزول}، ولن يرتدي {البيجاما} حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!