مروحيات إنقاذ للاقتصادات الجانحة

نشر في 10-05-2016
آخر تحديث 10-05-2016 | 00:01
يعتمد النجاح في إعادة تشغيل الاقتصاد على ضمان ذهاب النقد الإضافي إلى أيدي المقيدين في إنفاقهم بفِعل الدخول المنخفضة والافتقار إلى الأصول الصالحة كضمانات.
 بروجيكت سنديكيت في الدول التي تكون أسعار الفائدة الاسمية فيها عند مستوى الصِفر أو قريبة منه لا ينبغي أن يستغرق اللجوء إلى التحفيز المالي قدرا كبيرا من التفكير، فما دام سعر الفائدة الذي تقترض به الحكومة أقل من مجموع التضخم، ونمو قوة العمل، ونمو إنتاجية العمل، تظل تكلفة استهلاك التزامات الدين الإضافية سلبية، ومن ناحية أخرى قد يكون الجانب الإيجابي من الإنفاق الإضافي كبيراً، ويُعتَقَد أن المضاعف المالي الكينزي (الذي يتفق مع رؤية أتباع جون ماينارد كينز) للاقتصادات الصناعية الكبرى أو التوسعات المنسقة يعادل اثنين تقريبا، وهذا يعني أن كل دولار إضافي من التوسع المالي من شأنه أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو دولارين.

يشير البعض إلى خطر يتمثل بفشل الحكومات في إجراء التعديلات المناسبة على السياسة المالية بمجرد تعافي الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة، ولكن هذه الحجة خادعة، ذلك أن الحكومات التي ترغب في ملاحقة سياسات رديئة تفعل ذلك بصرف النظر عن القرارات التي قد تُتَّخَذ اليوم، وإذا كان لهذا الخطر وجود على الإطلاق، فإن الفوائد الاقتصادية الملموسة المترتبة على التحفيز كفيلة بالتعويض عنه: تحسن مهارات القوى العاملة، وارتفاع الاستثمار في الأعمال والمشاريع، وتطور نموذج الأعمال بشكل أسرع، والبنية الأساسية المفيدة الجديدة.

يعكس النفور من التوسع المالي أيديولوجية جديدة لا اعتبارات براغماتية واقعية، والواقع أن قِلة من خبراء الاقتصاد المؤهلين هم من فشلوا في التوصل إلى استنتاج مفاده أن الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة لديها مضاعفات مالية كبيرة بالقدر الكافي، وتأثيرات غير مباشرة وقوية بما فيه الكفاية تخلفها البنية الأساسية، فضلاً عن الاستثمار وغير ذلك من البرامج المعزِزة للطلب، والحيز المالي الكافي لجعل السياسات الأكثر توسعا مثالية.

والسؤال ليس ما إذا كانت الحوافز المالية مناسبة بل كم منها قد يكون مناسبا، ولابد أن تتمثل الإجابة عن هذا السؤال بالحسابات التكنوقراطية البسيطة للتكلفة والعائد، ومع ذلك لا يُتَّخَذ أي إجراء في أغلب الدول التي قد تستفيد من الحوافز المالية. وفي مواجهة هذا، سيطر على معلمي السابق وزميلي لفترة طويلة باري آيكنغرين تخوف إيجابي: "فالاقتصاد العالمي يغرق بوضوح، ويربط صناع السياسات الذين يفترض أنهم رعاته ومنظموه أنفسهم في عقد متشابكة".

"كانت تجربة ألمانيا مع التضخم الجامح في عشرينيات القرن الماضي واحتضانها في وقت لاحق لليبرالية الاجتماعية، حيث تتجنب الحكومة التدخل في الاقتصاد، من الأسباب التي جعلت الألمان حساسين للاقتصاد الكلي"، كما يقول آيكنغرين. وعلى نحو مماثل، في الولايات المتحدة، أسفر التشكك العميق الجذور في سلطة الحكومة الفدرالية، وخصوصا في الجنوب حيث استُخدِمَت لإلغاء الرِق وفرض الحقوق المدنية، عن نشوء عداء لسياسات الاقتصاد الكلي المضادة للتقلبات الدورية.

ويخلص آيكنغرين إلى "ضرورة التغلب على التحيزات الأيديولوجية والسياسية التي تضرب بجذور عميقة في التاريخ لإنهاء الركود الحالي، وإذا لم تكن فترة ممتدة من النمو الكاسد في أعقاب أزمة ما اللحظة المناسبة للتصدي لهذه التحيزات، فمتى تكون إذاً؟".

المؤسف أن هذه المناقشة لم تعد مناقشة فكرية، هذا إن كانت كذلك في أي وقت مضى، ونتيجة لهذا قد يتطلب الأمر تحركا شاملا، فقد حان الوقت لكي تتولى البنوك المركزية المسؤولية عن تنفيذ خطة "أموال الهليوكوبتر"، فتضع الأموال النقدية بشكل مباشر بين أيدي الناس الذين سوف ينفقونها.

يُبدي أنصار التقشف في ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشككهم في البنوك المركزية للأسباب الأيديولوجية نفسها التي تجعلهم كارهين للتشريعات التي تسمح بالإنفاق بالعجز، بيد أن اعتراضاتهم على البنوك المركزية أضعف كثيرا، ذلك أن كل المحاولات لإقامة نظام نقدي تلقائي، كما أشار ديفيد جلانسر الخبير الاقتصادي لدى المفوضية التجارية الفدرالية، انهارت واحترقت تماما، سواء كانت مستندة إلى معيار الذهب، أو قاعدة ميلتون فريدمان في السيطرة على المعروض من المال (k-percent rule)، أو "السياسة النقدية القائمة على القواعد" التي أوصى بها الخبير الاقتصادي جون تايلور من جامعة ستانفورد.

وقد فند التاريخ دعوة الخبير الاقتصادي هنري سيمونز من جامعة شيكاغو إلى "إعلاء القواعد على السلطات" في صياغة السياسة النقدية، ذلك أن مهمة التصميم في السياسة النقدية لا تتمثل ببناء القواعد بل إنشاء سلطات ذات أهداف وقيم وصلاحيات تكنوقراطية معقولة.

كانت تصرفات البنوك المركزية دائما عبارة عن "سياسة مالية" بالمعنى الحقيقي، وذلك ببساطة لأن تدخلاتها تغير القيمة الحالية لأقساط الديون الحكومية وأصولها في المستقبل، ولكن من المؤكد أن البنوك المركزية قادرة على القيام بالمزيد، عندما يتعلق الأمر بتعزيز التعافي الاقتصادي، وهي تتمتع بصلاحيات تنظيمية هائلة لإلزام البنوك الخاضعة لإشرافها بالاحتفاظ برأس المال، وتقديم القروض لفئات من المقترضين واجهت التمييز تاريخيا، وخدمة المجتمعات التي تشكل جزءا لا يتجزأ منها، وهي تتمتع بمحامين بارعين.

قد تأتي أموال الهليوكوبتر في أشكال عديدة، وتتحدد هيئتها الدقيقة وفقا للبنية القانونية للبنك المركزي، واستنادا إلى مدى استعداد القائمين عليها لاتخاذ تدابير تتجاوز سلطتها التقليدية (مع الوعد الضمني أو الصريح بأن بقية هيئات الحكومة ستغض البصر).

يعتمد النجاح في إعادة تشغيل الاقتصاد على ضمان ذهاب النقد الإضافي إلى أيدي المقيدين في إنفاقهم بفِعل الدخول المنخفضة والافتقار إلى الأصول الصالحة كضمانات، وكما هي الحال مع الحكومات المنهمكة في التحفيز المالي، فإن المفتاح إلى تحقيق النتائج الإيجابية يتلخص في استبعاد أي قدر من الخوف من تحول التزامات السداد إلى عبء مُرهِق بأي شكل من الأشكال.

* جايمس برادفورد ديلونغ | James Bradford DeLong، مساعد وزير الخزانة الأسبق في الولايات المتحدة، وأستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top