المأساة السورية تعدت كل الحدود لتصبح غير مسبوقة إذا قورنت بظروف عصرنا الحالي من وجود نظام دولي لديه تشريعات تسمح له بالتدخل لفض النزاعات إذا اقترنت بجرائم إبادة جماعية أو تطهير عرقي، ولكن في الحالة السورية لا أحد يتدخل بل مناورات وتسويف باسم حل سياسي ومفاوضات عبثية بلا طائل، حتى تكتمل جرائم الإبادة وترحيل السكان وتغيير الديموغرافية برعاية أممية.

Ad

في المأساة السورية الممتدة خمس سنوات لا يوجد فرقاء بين القوى العظمى، فروسيا وأميركا وإسرائيل وأوروبا وإيران كلهم متفقون وفي مركب واحد، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم، بينما تأكد سقوط النظام العربي الذي ثبت أنه لا يشكل أي ثقل أو تأثير، في حين تم فعلياً إثبات واقع جديد بفصل الطرف الآسيوي من العالم العربي عن الآخر الإفريقي من حيث مرتكزات الأمن القومي وأولوياته، ويتضح ذلك بشكل جلي في التعامل المصري مع الأزمة السورية، أما تركيا فهي ظاهرة صوتية تنتهز الفرص لخدمة مشروعها الاقتصادي وحلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ما يحدث في سورية وقبلها العراق هو مصلحة إسرائيلية بلا ذرة من الشك، ومن يسخر من فكرة المؤامرة ويتهكم عليها فهو- بوجهة نظري- محدود الرؤية والقدرة على جمع القرائن وتحليلها، فجماعات الضغط ومؤسسات "خزانات الفكر" ومجالس الأمن القومي التي يصرف عليها المليارات لم تنشأ عبثاً بل لرسم المخططات للكبار الذين يؤمنون بالخطط والاستراتيجيات وينفذونها.

ما يحدث اليوم يشبه ما حدث إبان الثورة العربية الكبرى (1916) من خداع للعرب بالدولة العربية الكبرى، ولكن هذه المرة الغرب يدغدغ الإيرانيين بالحلم الفارسي، بإمبراطورية فارس التي ستمتد من شواطئ الناقورة على المتوسط حتى عدن على بحر العرب، وفي سبيل ذلك وبتشجيع ضمني من القوى العظمى ستقوم إيران بتمزيق العالم العربي بالميليشيات والنعرات الطائفية وإبادة المدن بالتحالف مع الأقليات الأخرى التي ثبتت دمويتها مثل العلويين والحشد الشعبي والأكراد والحوثيين... إلخ.

أوروبا تعرف هذا المخطط وتدرك أنه لمصلحة إسرائيل، وتدفع ثمنه غالياً من أمنها واقتصادها بسبب اللاجئين والمخاطر الأمنية، وترى المجازر التي تحدث في سورية ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً أمام الاتفاق الروسي- الأميركي على تنفيذه، وقدرة اليهود على السيطرة والتحكم بوجود رئيس أميركي مثل باراك أوباما قدم أهم الخدمات التاريخية لمصلحة المشروع الصهيوني بتأمين خاصرة إسرائيل الرخوة من اتجاه الشام، خاصة إذا علمنا أن هناك عازلاً برياً كبيراً بين التجمع السكاني المصري الكبير وإسرائيل يتمثل في صحراء سيناء، أما "داعش" وخلافه من تنظيمات همجية أصولية فإنها أدوات صُنعت استخبارياً لخدمة المشروع.

حلم طهران بالإمبراطورية الفارسية سيتلاشى فور أن يقرر المتآمرون أن مهمتها انتهت في تدمير العالم العربي وبشكل خاص تمزيق العراق وسورية، ويصبحان لقمة سائغة لتل أبيب، عندها سينقلب الغرب على إيران الهشة بتركيبتها السكانية المكونة من أعراق مختلفة من عرب وبلوش وأذريين، وكذلك ضعفها الاقتصادي، ويوجه لها ضربة موجعة تجعلها تنكمش مرة أخرى إلى داخل حدود فارس القديمة، ليهيئ الشام، المدمر والمُهجر سكانه إلى أصقاع العالم والمدفون بقيتهم تحت أرضه، ليكون مجالاً للهيمنة وربما للحكم الإسرائيلي المباشر، وفضاء لترحيل التعداد السكاني الفلسطيني المتزايد الذي يهدد وجود الدولة العبرية.