في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان "الجدل الصاخب حول تيران وصنافير قضية وطنية أم حالة وطنية"، تناولت من بين ما تناولته حالة الغضب الشعبي التي بدت في مظاهرات جمعة الأرض في أعقاب الإعلان عن توقيع اتفاقية "صنافير" و"تيران"، التي قد تتكرر يوم 25 أبريل في الاحتفال بعيد سيناء، وقد كانت حالة وطنية، ترفض التفريط في شبر واحد من أرض مصر.
ولا أزعم أنني فيما أكتب إلا باحثا عن الحقيقة في كل ما أتناوله، راغبا في المعرفة التي تشكل الوجدان والروح والفكر في حالة وطنية تكاد توشك أن تصبح قضية وطنية، في كل من مصر والمملكة العربية السعودية، لغياب الشفافية والحقائق المتعلقة بهذه الاتفاقية عن الشعبين المصري والسعودي، وهو ما سأتناول بعضه فيما يلي:الحقائق الجغرافيةتلتقي عند خليج العقبة حدود أربع دول السعودية، والأردن، والجمهورية العربية المتحدة، وإسرائيل، ولقرب الخليج من البحر الأبيض المتوسط، إذ لا تزيد المسافة بينها وبين غزة عن 140 ميلا اكتسب أهمية كبيرة بوصفة مفتاحا لطريق قصير موصل بين البحرين الأحمر والأبيض.ويكاد مدخل الخليج يكون مغلقا جغرافيا بجزيرة تيران التي تتكون في الواقع من صخور ممتدة في قاع البحر، ويتراوح طولها بين سبعة وثمانية أميال، ولا يزيد عرضها على خمسة أميال، ويبلغ أقصى ارتفاع لصخورها 1670 قدما، وتقع جزيرة صنافير على بعد ميلين شرق جزيرة تيران، وهي جزيرة صخرية أيضا وإن كانت لها بعض الجوانب الرملية.المساحة البحرية في الخليجوالفتحة التي تصل الخليج بالبحر الأحمر فتحة ضيقة لا يزيد اتساعها على تسعة أميال، مع العلم أن بعض الجزر والصخور في مدخل الخليج تجعل المساحة البحرية الصالحة للملاحة أقل من ذلك بكثير، لأن جزيرة تيران تقع على مدخل الخليج والفتحة التي تقع بين تيران والأراضي العربية لا تزيد على أربعة أميال، وفي هذه الفتحة ممران صالحان للملاحة تفصل بينهما مجموعة من الصخور، والممر القريب من الإقليم المصري هو الممر الرئيس الوحيد الذي يمكن للسفن الكبيرة الملاحة فيه... وتقع جزيرة صنافير في مدخل الخليج على بعد ميلين شرقي تيران، كما قدمنا، والمنطقة الواقعة بين "صنافير" والساحل السعودي صخرية تجعل الملاحة فيها عسيرة.الحقائق التاريخيةكانت البلاد العربية جزءا من الخلافة العثمانية ابتداء من القرن السادس عشر، فكان خليج العقبة خليجا وطنيا، على اعتبار أنه يقع في إقليم دولة واحدة هي الدولة العثمانية. وهو مصطلح في القانون الدولي يرتب آثارا تختلف عن الآثار التي يرتبها هذا القانون في الخلجان التي تطل على حدود أكثر من دولة.ويترتب على اعتبار الخليج وطنيا أن تكون مياه الخليج مياهاً داخلية، ولا تتمتع سفن الدول الأجنبية بحق المرور البحري فيها، كما يكون للدولة أن تقصر حق الصيد في الخليج على مواطنيها، وأن تمارس اختصاصها التشريعي والقضائي والإداري على السفن والأشخاص الموجودين في الخليج.مصر والحجاز تحت الحكم العثمانيوفي سياق الحديث عن العقبة كخليج وطني فقد كانت الدولة العثمانية تحكم كلا من مصر والحجاز، وكان الوالي التركي في كليهما خاضعاً للسلطان، في الآستانة في إسطنبول، وذلك عندما أصدر السلطان فرمانين:أحدهما: أن ولاية الحجاز تشمل فيما تشمله خليج العقبة.ثانيهما: الطلب من والي مصر وضع عدد كاف من الجنود في منطقة الخليج وفي مناطق أخرى من جزيرة سيناء لحماية مرور المحمل المصري أثناء الحج مخترقا سيناء ومارا بالعقبة. لذلك فإن مباشرة والي الحجاز السيادة على خليج العقبة ومباشرة والي مصر السيادة على المناطق التي تمركز فيها الجنود المصريون، لم يكن هذا وذاك إلا نيابة عن الحكم العثماني، فظل خليج العقبة خليجا وطنيا.وفي بداية أفول الحكم العثماني حدث أكثر من تمرد على السلطان في الباب العالي في مصر والحجاز، كان لكل تمرد تأثيره على الوضع القانوني لخليج العقبة.1- تمرد علي بك الكبير أحد أمراء المماليك الذين ترك لهم العثمانيون سلطة الإدارة المحلية للأقاليم في مصر، على السلطان، واستقل بشؤون مصر وضرب النقود باسمه وحرّك الجيوش إلى الشام، إلا أن هذه المحاولة فشلت بسبب خيانة قائد الجيوش له، وكان محلا لثقته الكاملة، فهو زوج ابنته، إلا أن صلة المصاهرة لم تمنعه من قتل علي بك الكبير.2- عندما ثار الشعب المصري على الحكم العثماني وصعد السيد عمر مكرم إلى القلعة يوم 13 مايو 1805 لينصّب محمد علي والياً على مصر، نشأت الدولة المصرية الحديثة في عهده.3- ثورة الشريف حسين أمير مكة وعاهل العائلة الهاشمية على الحكم العثماني واستيلائه على ميناء العقبة في صيف سنة 1917، وأصبحت العقبة وما حولها من أرض شرق الأردن الحالية جزءا من الحجاز.وقد ترتب على هذا التمرد وذاك ما يلي:• لم يستطع الباب العالي في سنة 1892 في عهد الخديوي عباس الاستيلاء على ميناء العقبة وجزء من شبه جزيرة سيناء.• وفي عام 1905 حاولت تركيا أن تقصي المصريين عن منطقة العقبة، فأرسلت قوة احتلت مركز طابا في غرب العقبة وداخل حدود مصر، فتدخلت الحكومة البريطانية وتم الاتفاق في سنة 1906 بينها وبين مصر وتركيا على تقرير الحدود بصفة نهائية، وانسحب الأتراك من طابا، وبقيت مصر في العقبة بموجب هذه الاتفاقية.• تكونت إمارة شرق الأردن في سنة 1923، وبموجب اتفاق مع الملك عبدالعزيز آل سعود في معاهدة جدة سنة 1927 أصبحت العقبة تابعة لشرق الأردن.الميراث الدوليوهو اصطلاح يطلق على انتقال جزء من إقليم دولة من سيادتها إلى سيادة دولة أخرى، وينسحب أيضا على تقسيم إقليم الدولة بين دول متعددة أعلنت استقلالها عن الدولة الأم، وانحصار إقليم الدولة الأخيرة على البقعة من الأرض التي كانت تمارس عليها سيادتها، قبل توسعها وامتدادها إلى أرض أخرى ملتصقة بهذا الإقليم أو بعيدة عنه، كما حدث بالنسبة إلى الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس أبدا، والدولة العثمانية والاتحاد السوفياتي.ووفقا لقواعد الميراث الدولي تباشر الدولة الوارثة على الإقليم الذي انتقل إليها أعمال السيادة التي كانت تمارسها الدولة الأصيلة.وبانهيار الحكم العثماني في أعقاب الحرب العالمية الأولى ورثت الدول العربية بعد انفصالها عن الدولة العثمانية حقوق السيادة على خليج العقبة، فأصبح لخليج العقبة قواعد أخرى في القانون الدولي باعتباره خليجا داخل الحدود البحرية لأكثر من دولة، هي مصر والسعودية والأردن، وعقب احتلال إسرائيل لأم الرشراش في مارس 1949، أصبحت لإسرائيل حدود على الخليج العربي.وللحديث بقية في دراسة ستشمل فيما تشمله الموروث الاجتماعي للأرض في وجدان الشعب المصري، والتضحيات التي قدمها أبناؤها في الدفاع عن الأرض الفلسطينية، وحماية الأمن القومي العربي، وقواعد القانون الدولي وأحكام محكمة العدل الدولية في الخلجان والمضايق، وهي موضوعات لا يتسع لها المقال الصحافي، وسوف تنشر في موقع خاص بي على صفحات التواصل الاجتماعي، وربما كذلك في مؤلف لي حول هذا الموضوع.
مقالات
ما قل ودل: الحقائق الجغرافية والتاريخية لجزيرتي «صنافير» و«تيران»
24-04-2016