«وثيقة الحكومة» وأزمة البطالة
هل تأخذ الحكومة مشكلة البطالة على محمل الجد قبل فوات الأوان وهو الأمر الذي يتطلب تغييراً جذرياً في المنطلقات التي بُنيت عليها السياسات الاقتصادية التي احتوتها «وثيقة الحكومة»، أم ستنتظر حتى يخرج الشباب إلى الساحات العامة مطالبين بتوفير فرص عمل مثلما حصل ويحصل في دول أخرى؟!
تولي الحكومات في الدول المتقدمة أهمية قصوى لمشكلة البطالة، خصوصاً بين الشباب، فهي مؤشر رئيسي من مؤشرات الأداء الاقتصادي، كما أن لها ارتباطاً وثيق الصلة بالوظيفة الاجتماعية للدولة التي يترتب على اختلالها عدم استقرار ومشاكل متعددة اجتماعية واقتصادية وسياسية. وعلى الأرجح، فإن هناك أزمة بطالة مخيفة ستطل برأسها قريباً بشكل مقلق، حيث من المتوقع، بحسب الإحصائيات والأرقام الرسمية، أن يدخل سوق العمل 25 ألف خريج سنوياً، فأين، يا ترى، سيجد الشباب وظائف؟ خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية تركزان على قيادة القطاع الخاص لما يطلقون عليه «قاطرة التنمية»، ما يعني أنه هو الذي من المفترض أن يوفر فرص عمل جديدة، بالرغم من أن ذلك غير ممكن عملياً، فالقطاع الخاص، بحكم طبيعته ونوعية الأنشطة التي يقوم بها، لن يكون باستطاعته خلق فرص وظيفية تستوعب القادمين الجدد إلى سوق العمل.أما القطاع الحكومي والعام فيعاني بطالة مقنعة، ولن يكون قادراً في السنوات المقبلة على استقبال الخريجين الجدد، بل على العكس من ذلك قد يضطر إلى الاستغناء عن بعض المواطنين ما لم تقم الحكومة بعملية إعادة هيكلة شاملة وجذرية للجهاز الإداري للدولة، ينتج عنها فتح مجالات استثمارية في قطاعات إنتاجية جديدة (صناعات النفط والبتروكيماويات مثلاً) بحيث توفر فرص عمل للعملة الوطنية. والمشكلة التي تواجه الشباب، رغم أهمية تخفيض معدل البطالة ثم حلها، أن خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية لا توليان موضوع استثمار الموارد البشرية الوطنية ما يستحقه من اهتمام، فالوثيقتان لا تشيران بشكل دقيق وعملي إلى عدد الفرص الوظيفية التي يمكن توفيرها للمواطنين سنوياً عند بدء عملية تنفيذ السياسات الاقتصادية الواردة فيهما. ليس ذلك فحسب، بل إن الاعتماد على القطاع الخاص في «قيادة قاطرة التنمية» لا يُغلق الباب أمام خلق فرص عمل جديدة فقط، بل إنه سيضاعف مشكلة البطالة بدلاً من المساهمة في حلها، حيث إن البطالة ملازمة لعمليات الخصخصة بأشكالها المختلفة. أضف إلى ذلك أن خصخصة المؤسسات والشركات العامة التي توظف حالياً مواطنين تعني أن وظائفهم ستكون مهددة مثلما سبق وحصل عند خصخصة محطات التزود بالوقود ومشتقاته ومصنع الملح والكلورين، حيث تم الاستغناء عن العمالة الوطنية.فهل تأخذ الحكومة مشكلة البطالة على محمل الجد وتوليها الأهمية التي تستحقها قبل فوات الأوان؟ وهو الأمر الذي يتطلب تغييراً جذرياً في المنطلقات التي بُنيت عليها السياسات الاقتصادية التي احتوتها «وثيقة الحكومة»، أم أنها ستنتظر حتى يخرج الشباب إلى الساحات العامة مطالبين بتوفير فرص عمل مثلما حصل ويحصل في دول أخرى، سواء عربية مثل تونس، أو أوروبية مثل إسبانيا واليونان وغيرهما، وعندئذ ستتعقد المشكلة أكثر، وتكون تكلفة حلها مضاعفة على المستويات كافة؟!