ألسنا نحن من كنا نهتز طرباً ونشوة ونحن نردد عندما كنا مراهقين: "أن الحب هو أن تحب شخصاً لا لميزاته، وإنما رغم عيوبه"؟!

Ad

ألسنا نحن نفس الأشخاص الذين كنا نرى أن طريق الهداية يبتدئ من "عين الرضا عن كل عيب كليلة"، وينتهي به، وأن ما سوى ذلك هو طريق الضلالة وخارطة التيه؟!

كنا حينها من شدة احتياجنا للحب ورغبتنا إليه نفتش عن الحبيب رافعين راية بيضاء كتب عليها بماء القلب "أيها الحبيب لو أتيتني بملء الأرض خطايا لأتيتك بملء الحب مغفرة". كنا نتصور أن قلوبنا مليئة بالسماح المسبق للحد الذي لم يترك ولو مساحة صغيرة لنمو زهرة سوء ضد الحبيب الذي لم نلتقيه بعد!

كنا نجدّ ونجتهد في الليالي مكتملة القمر في إعداد رسائل الاعتذار المورقة، التي سنرسلها لأحبابنا المجهولين الذين سيخطئون بحقنا، ونطلب الصفح منهم، ونحفظ عن ظهر قلب كلمات أغنية "مسموح لو ما تعذّر" وكل الأغاني الأخرى الموغلة بالرضى والتجاوز للجروح المحفزة للعتمة، وكنا نشيّد في ظلال قلوبنا أبراج حمام، وبذلنا ما استطعنا لتلقين ذلك الحمام آيات السلام وحفظها، لتكون على استعداد لنقل أغصان الزيتون لمن سنحبهم حين نغضبهم!

كنا على مشارف الحب، ولكنا لم ندلف عالمه بعد، إلا أنّا كنا نظن في أنفسنا خيراً كثيراً، وأن قلوبنا مهيأة تماماً لاحتضان حبيب، وعيوننا مجهزة لسكنى غيمة، وصدورنا محصنة ضد غزو الجروح، والريح مواتية لشراع مركب من ورق!

ما الذي حصل بعد ذلك؟!

أحببنا... وترجّلت خيالاتنا عن خيول معرفتنا، وامتطاها الواقع بكل تفاصيله، وأصبحنا مع الوقت نزقين، تضيق قلوبنا بمسحة حزن، وتقشعر راحة كفوفنا من ملامسة شوكة، ولا تتسع جفوننا لترنيمة سهد، أصبح زعلنا في متناول اليُسر، ورضانا أبعد من أمنية، نخطئ ونكابر بالاعتذار، ويعتذر أحبابنا لنا ويعز السماح.

لم نكتفِ بأننا لم نحب أحبابنا رغم عيوبهم كما كنا ندعي حينما كنا مراهقين، بل واختلقنا عيوباً ليست بهم لنحاصرهم بها، لم نغفر أخطاءهم، فدع عنك خطاياهم، ولم تملأ قلوبنا مزاياهم ولم تخطف أنظارنا مراياهم، نبتكر الأدوات لاصطياد زلاّتهم، وكأننا نحن فرحون بها، نضعهم تحت مجهر الريبة وننتظر سقوطهم في الفخ، لا نبحث عمّا يزيل شكوكنا حول من نحب، بل عمّا يؤكد تلك الشكوك ويعمّق يقيننا فيها.

هل كان من المفترض أن تعمى قلوبنا عن عيوب من نحب لننعم بمحبتنا؟!

هل كان من الأسلم لصحتنا العاطفية أن نرى من نحب كأجمل من حملته قدمان؟!

إحدى العاشقات اللاتي أوتين حكمة الحب تجيب: لا، ولكن علينا أن نفتح أبصارنا على عيوب الحبيب، وبصائرنا على حنوّ المحبة!

حكمة تجنبنا الغفلة أو الاستغفال من جهة، ومن جهة أخرى لا تفوّت على قلوبنا جمال من نحب!

كلما عرفنا عيوب من نحب مبكراً استطعنا تجنب الاصطدام بها والصدمة منها، فالحب ليس أعمى... إنما تعمى القلوب!