لم يأت الروائي الشاب عبدالله البصيص منكراً وهو يقاضي وزارة الإعلام حين منعت الرقابة روايته الأولى "ذكريات ضالة"، فالرجل كان يبحث عن مبرر هذا الإعدام المبكر لمشروعه الروائي الأول، والذي كان يتمنى أن يحتفل به في وطنه. ولم نر بياناً حقيقياً يوضح أسباب المنع رغم أننا نتوقع كما يتوقع الكاتب نفسه أن المنع كان بسبب التعرض لجهاز الداخلية. وكأن الجهاز يعمل بمنأى عن المجتمع وأشخاصه ليسوا أناساً عاديين يخطئون ويصيبون. وكاتب الرواية يعمل بجانب خيالي أولاً وإسقاط اجتماعي ثانياً. وله الحرية في تناول نماذج مجتمعية متنوعة بغض النظر عن حساسية الجهاز الذي يعملون فيه، خصوصاً أن الجهاز تحديداً سيكون عرضة لروايات عديدة قادمة ولن يكون الحل بمنعها.

Ad

لقد منعت رواية البصيص الأولى في وقت رأت فيه وزارة الإعلام أو جهاز الرقابة في الوزارة، لكي أكون أكثر دقة، أن تمنع مجموعة من الروايات الجيدة للشباب، وسط دهشة كبيرة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية. ولكن عبدالله البصيص تحديداً سلك الطريق السليم في رفع الظلم عن روايته. لم يحتج خارج الإطار القانوني، ولم يثر ضجة في وسائل الاتصال كما فعل غيره. وحتى حين لم يكسب القضية التي رفعها امتثل الرجل لسلطة القانون، وان لم يقتنع ولم نقتنع جميعاً بأسلوب تعسف الرقابة ضد الروايات الجيدة في وقت تسمح لكم كبير من الكتابات الهابطة.

القضية التي يواجهها الآن الروائي عبدالله البصيص مرة أخرى هي منع روايته الثانية "طعم الذئب"، وهي كما يبدو مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمنع الأول والطريق التي سلكها البصيص في مقاضاة جهاز الرقابة. قرأت الرواية ولم أجد ما يستفز الرقيب، ولا ما يخدش شعوره العالي وحساسيته المفرطة. العمل ليس كسابقه، وليس هناك أدنى مبرر لمنعه، ولأن الرقابة لم تطلعنا على أسباب منع العمل الأول، فهي لن تطلعنا على أسباب هذا المنع. ويبدو أن الرقابة ترسل للكتاب رسالة واضحة بأن يدها الطولى لا يمكن أن تلوى.

ونحن أيضاً لدينا رسالة نريدها أن تصل إلى جهاز الرقابة. لن تنجح اليوم رقابة ما في أي مكان في العالم من الحد من انتشار رواية أو فكرة وما يفعله الجهاز هو الإجهاز على ما تبقى لنا من رصيد حرية تعبير كنا نفاخر بها في المحيط الضيق. وتسجيل المواقف ضد الروائيين لن يؤدي بهم لكتابة أعمال ترضون عنها أولاً، والذي يخشى الرقيب لا يستحق أن يحمل قلماً. ولتكن الرقابة مثالية ومنصفة، ولتذهب للقضاء أولاً قبل أن تمنع الكتاب. حينها ربما نجد لها مبرراً في منعها ونرضخ جميعاً للحكم القضائي.

ما يحدث في الرقابة هو خوف الرقيب من الرقيب. هناك مجموعة رقباء يرون أن المنع هو الطريق الأمثل لعدم مواجهة عقبات الإجازة، وهي طريقة عقيمة تضر بالجميع، وتحتاج إلى مواجهة حقيقية من القائمين على الوزارة. نتمنى أن ينفض ذئب البصيص هذا السلوك وينبه له لمعالجته كي لا تتحول المسألة إلى ممارسة بوليسية متعمدة.

لن يضر عبدالله البصيص منع روايته، وربما حقق لها شهرة أوسع، ولكن شعور الكاتب بالغبن في وطنه أهم بكثير من فائدة انتشار كتابه.