المرض الهولندي يفتك اليوم بمعظم دول الخليج والعراق بسبب فشلها في إصلاح الاقتصاد والتوجه نحو الإنتاج الحقيقي دون الاتكاء على النفط، ويبدو هلع هذه الدول واضحاً بعد انكشاف أسعار بيعه.

Ad

 أول العمود:

ما الفرق بين تكلفة بناء جامعة الشدادية عام ١٩٨٦ وهو عام إقرار قانون إنشائها، وتكلفتها اليوم؟ التكلفة هي قيمة العبث بالوقت.

***

هو مرض أقرب لأن يكون قيمياً منه إلى الاقتصادي رغم دلالاته المرتبطة بالإنتاج، المرض الهولندي حالة أصيب بها الشعب الهولندي عام ١٩٠٠ واستمرت لأكثر من ٥ عقود، فبعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في بحر الشمال استسهل الهولنديون حياة الكسل واللاعمل حتى نضوب ثروتهم، تماما كما حدث مع دول أحادية الثروة كإسبانيا الاستعمارية في القرن السابع عشر التي اتكأت على ثروات مستعمراتها، ثم المكسيك والنرويج ونيجيريا بسبب النفط، والثروات الزراعية الهائلة في بلدان الشاي والقهوة.

هو مرض فعلي لا مجازي لأنه يؤدي إلى انتحار الدول وتفككها وتبخر استقرارها بشكل دراماتيكي لركونها إلى حياة الدعة والكسل والصرف والاستهلاك، وبعيدا عن الإنتاج والعمل.

للمرض الهولندي أعراض سياسية، فهو يساهم في نمو فطريات سياسية متسلطة تتحكم في مقدرات البلد، فتقمع وتعطل أي نوع جاد من التطوير والتنمية، وتسخّر كل إمكانات الزواج بين الثروة والسلطة فينتج عن ذلك حسابات متخمة لرؤساء وجنرالات ووزراء تكون قصصهم مادة ثرية لـ"ويكيليكس" أو "أوراق بنما" كما حدث منذ أيام.

وفي سياق العلاج لهذا المرض المميت كان للنرويج تجربة جيدة للنجاة منه، فهذا البلد يتمتع بدخل عال للفرد، ونظام ضمان اجتماعي جيد وحياة رفاهية رغيدة، وهو كما نعرف بلد نفطي بامتياز لكنه لم يدمن استهلاك مداخيله البترولية، فقد دار حوار في البرلمان بين فريقين الأول مع استهلاك بيع النفط كما يحدث لدينا، وفريق أكثر حكمة رأى تحول المداخيل النفطية للصندوق السيادي يدعم الميزانية بـ٤٪ فقط، والباقي تمول من الضرائب، وها هم اليوم يعيشون أسياداً حقيقيين لا مزيفين.

المرض الهولندي يفتك اليوم بمعظم دول الخليج والعراق بسبب فشلها في إصلاح الاقتصاد والتوجه نحو الإنتاج الحقيقي دون الاتكاء على النفط، ويبدو هلع هذه الدول واضحا بعد انكشاف أسعار بيعه، وبدا كذلك تخبطها في تدارك النزول المخيف لدولارات براميل النفط.

الشفاء من المرض الهولندي ممكن لكنه يحتاج إلى تضحيات، ودول الخليج اليوم ليس لها أي خيار سوى العلاج من هذا المرض.