تذليل عقبات السوق التي تواجه المضادات الحيوية الجديدة

نشر في 06-05-2016
آخر تحديث 06-05-2016 | 00:01
حان الوقت لتحويل الأفكار إلى أعمال فعّالة وحل المشاكل المرتبطة بمقاومة الميكروبات للأدوية، ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الشركات والحكومات أن تدرك أن المضادات الحيوية ليست مجرد سلعة كأي سلعة أخرى.
 بروجيكت سنديكيت تُعَد الإدارة المالية الحكيمة من قِبَل الشركات لتعزيز أسعار أسهمها ممارسة جيدة من المنظور الصارم لبعض المستثمرين، ووفقا لهذا المنطق الضيق وعندما يتعلق الأمر بصناعة المستحضرات الدوائية، فلا ينبغي لنا أن نكترث عندما تتعزز أسعار أسهم شركات الأدوية ليس بسبب اكتشافات جديدة، بل بفِعل مناورات مالية، مثل إعادة شراء الأسهم أو التهرب الضريبي.

بيد أن صناعة الأدوية ليست كمثل أي صناعة أخرى، فهي ترتبط جوهريا بالمصلحة العامة، وقد وفرت تاريخيا الإبداع الطبي الذي يشكل ضرورة أساسية لتمكين المجتمعات من مقاومة المرض، فضلا عن ذلك، ورغم أن المرضى هم المستهلكون، فإن المشترين الفعليين هم الحكومات غالبا، وحتى في الولايات المتحدة، تمثل المشتريات العامة ما لا يقل عن 40% من سوق الأدوية الموصوفة طبيا.

تتولى الحكومات أيضاً تمويل قسم كبير من البحوث التي تستند إليها أرباح هذه الصناعة، وتعتبر حكومة الولايات المتحدة الممول الأكبر في العالم للبحث والتطوير في مجال الطب؛ وعلى مستوى العالم، يتولى دافعو الضرائب تمويل ثلث الإنفاق على البحوث الصحية، لا ينبغي لنا أن نندهش إذاً عندما يصر صناع السياسات على توجيه الجهود الإبداعية التي تبذلها الصناعة إلى المجالات التي توفر القدر الأعظم من الفائدة لدافعي الضرائب والمرضى، وليس نحو تلك المجالات التي ربما تكون الأكثر ربحية للصناعة في الأمد القريب، مثل المناورات المالية.

تصبح صناعة الأدوية في أفضل حالاتها عندما تتزامن الربحية الخاصة والمنفعة الاجتماعية، كما يحدث عندما تجتذب أدوية جديدة مفيدة حصصا كبيرة في السوق. ولكن من المؤسف أن هذه ليست الحال دوما، وقد تكون النتائج مأساوية، ففي مجال تطوير المضادات الحيوية بشكل خاص، يدفع التباعد بين السلوك الساعي إلى تحقيق الربح والمصلحة العامة العالَم إلى شفا الأزمة.

عندما دخلت المضادات الحيوية الاستخدام العام أول مرة في أربعينيات القرن العشرين، أصبحت الحالات التي كانت تُعَد بالغة الخطورة سابقا، مثل الالتهاب الرئوي أو الجروح الملوثة، حالات حميدة يمكن علاجها بسهولة، والواقع أن المضادات الحيوية تشكل الأساس للطب الحديث؛ وفي غيابها تصبح الجراحة أو العلاج الكيميائي ممارسات أخطر إلى حد كبير.

بيد أن المضادات الحيوية تفقد فعاليتها بمرور الوقت، وفي حين كانت الأجيال السابقة من العلماء تتمكن بسرعة من إيجاد بدائل جديدة، أصبح الأطباء في كثير من الحالات اليوم عند آخر الخطوط الدفاعية، ففي مواجهة مجموعة واسعة من أشكال العدوى، بما في ذلك سلالات من الالتهاب الرئوي، والإيكولاي، والسيلان، لم يعد لديهم في الاحتياط أي بدائل.

قد يتصور المرء أن هذا من شأنه أن يدفع شركات الأدوية ومستثمريها إلى التنافس على تطوير مضادات حيوية جديدة، لكن قسما كبيرا من صناعة الأدوية هجر هذه المساعي. إن تطوير مضادات حيوية جديدة أمر صعب ومكلف، والأمر الأكثر أهمية أنه أقل ربحية من الاستثمار في مجالات أخرى مهمة، مثل السرطان والسكري.

يكمن جزء من المشكلة في الأهمية الفريدة لهذه العقاقير، فالشركات ليست دائما قادرة على استرداد استثماراتها من خلال تحديد ثمن باهظ للمضادات الحيوية الحاصلة على براءات اختراع، فعندما يتم اكتشاف مضاد حيوي جديد، ترغب السلطات الصحية العامة في إبقائها في الاحتياط، فتصر على عدم استخدامها إلا عندما تفشل كل الخيارات الأخرى، وهي محقة في هذا. ونتيجة لهذا فإن أي مضاد حيوي جديد قد لا يستخدم على نطاق واسع إلا بعد أن تنتهي براءة اختراعه ويضطر مخترعوه إلى منافسة الشركات المصنعة للأدوية السائبة التي لا تحمل علامات تجارية.

في شهر يناير، خطت صناعة الأدوية خطوة كبير نحو حل هذه المشكلة عندما وقعت أكثر من 100 شركة ومؤسسة تجارية من أكثر من عشرين دولة على إعلان يدعو الحكومات إلى تبني نموذج جديد لتطوير المضادات الحيوية. وكجزء من هذا النموذج الجديد، ألزم الموقعون أنفسهم بتوفير القدرة على الوصول إلى العقاقير الجديدة لكل أولئك الذين هم في احتياج إليها، وزيادة الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير التي تلبي احتياجات الصحة العامة على مستوى العالم، والمساعدة في إبطاء تطور مقاومة العقاقير بين البشر والحيوانات.

ينبغي للحكومات أن تشجع الصناعة وتمكنها من تحقيق هذه الأهداف، وتتمثل إحدى الطرق في تبني الاقتراح الذي تقدمت به شخصيا العام الماضي والذي يقضي بتقديم مكافآت بقيمة مليار دولار أميركي أو أكثر إلى أولئك الذين يعملون في تطوير الأنواع التي تشتد الحاجة إليها من المضادات الحيوية، وهذا النهج من شأنه أن يوازن بين العائدات التجارية، والقدرة على الشراء، والانتشار عالميا، والمحافظة، في حين يوفر المال للحكومات في الأمد البعيد.

يتكلف استخدام هذا النهج لإعادة تزويد خط أنابيب المضادات الحيوية ما يقرب من 25 مليار دولار على مدى عشر سنوات. وبتقاسم هذه التكلفة بين حكومات مجموعة العشرين يصبح المبلغ المطلوب ضئيلا للغاية، في حين يشكل استثمارا جيدا للغاية، خصوصا أن مقاومة المضادات الحيوية تكلف نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وحدها حاليا نحو 20 مليار دولار سنويا.

وبوسع الحكومات أن تقدم الحوافز لمشاريع البحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية، وتمويلها بالاستعانة بمصادر التمويل القائمة أو مصادر تمويل جديدة تتسم بالإبداع والاستدامة الذاتية، ويتمثل أحد الخيارات في فرض رسم صغير في مقابل الوصول إلى السوق الذي يمكن تحصيله بواسطة هيئات تنظيم الأدوية في الأسواق الكبرى. ويدرك هذا النظام أن المضادات الحيوية مورد مشترك غير قابل للتجدد وتعتمد عليه صلاحية وجدوى مجموعة واسعة من المنتجات الدوائية الأخرى والأجهزة الطبية، من العلاج الكيميائي إلى استبدال المفاصل. ويشبه هذا بعض الأساليب المعمول بها في قطاعات مثل الطاقة، أو المياه، أو مصايد الأسماك، حيث تستخدم الأدوات التنظيمية لضمان إدارة وتجديد الموارد والبنى التحتية المشتركة للمستهلكين والمنتجين الذين تعتمد أعمالهم عليها.

يعادل المبلغ اللازم، 2.5 مليار دولار سنويا، نحو 0.25% فقط من مبيعات الأدوية على مستوى العالم، وهو ما لا يفرض أي ضغط على الصناعة التي تشكل إلى حد كبير صحة مالية سليمة، وسيكون هذا المخطط جاذبا بشكل خاص إذا أمكن تنفيذه على أساس دفع ثمن الرعاية أو توفيرها، والذي بموجبه تستطيع الشركات أن تختار إما الاستثمار في البحث والتطوير أو المساهمة في صندوق يكافئ أولئك الذين تفضي جهودهم إلى إنتاج الأدوية المرغوبة.

لقد حان الوقت لتحويل الأفكار إلى أعمال فعّالة وحل المشاكل المرتبطة بمقاومة الميكروبات للأدوية، ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الشركات والحكومات أن تدرك أن المضادات الحيوية ليست مجرد سلعة كأي سلعة أخرى.

* جيم أونيل | Jim O Neill ، الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول، والسكرتير التجاري في وزارة المالية البريطانية، وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة مانشستر، وباحث زائر في مركز أبحاث الاقتصادية بروغل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top