سبر أغوار التاريخ من متع الحياة لمن يحاول أن يكون مؤرخا، فكلما تعمقت وبحثت أكثر وجدت معلومات وربما إشارات تساعدك في تفكيك النصوص التاريخية وأحداثها. دعوني أوضح قبل أن أدخل في المقال أن المقال التاريخي في الصحيفة هو مقال مختصر لأن المساحة لا تسمح بأكثر من ٦٠٠ كلمة للمقال كحد أقصى، ومن هنا فهذا المقال لتحريك الأفكار لدى محبي التاريخ وتشجيع نفسي وإياهم على البحث بشكل أعمق في تاريخنا المحلي.
من المشهور أن النوخذة عيسى القطامي هو أول من ألّف كتابا في مسالك البحر من الكويتيين، ويذكر الدكتور يعقوب الحجي المتخصص في التاريخ البحري في كتابه "نواخذة السفر الشراعي في الكويت" أن عيسى بن قطامي كتب كتابه "دليل المحتار في علم البحار" عام ١٩١٦ وطبعه في عام ١٩٢٤ في بغداد، ومما لا شك فيه أن النوخذة عيسى القطامي مشهود له بالتميز البحري والقبطنة، فهو من مشاهير النواخذة في الكويت وأسرته كذلك.ما دعاني لكتابة المقال ليس التعريف بالنوخذة عيسى، فهو عَلَم عند المتخصصين في تاريخ الكويت والتاريخ البحري، لكني كنت أشاهد مقابلة بين المؤرخ سيف مرزوق الشملان في برنامجه الشهير "صفحات من تاريخ الكويت" مع المرحوم محمد ملا حسين التركيت، رحمه الله، عام ١٩٨٨، فالمرحوم التركيت من مواليد ١٩١٢ وكان عضوا في مجلس المعارف في خمسينيات القرن الماضي وأديبا شاعرا، وفي مقابلته مع الشملان ذكر أن النوخذة شعيب عبدالسلام الشعيب المتوفى عام ١٩٠٧ تقريبا، وهو ليس من الشعيب أهل فيلكا، حسب رواية التركيت، كان أحد نواخذة سفن أسرة النصف. وأضاف المرحوم التركيت في المقابلة أن الشعيب ألّف مخطوطاً عن الملاحة في الكويت استفاد منه النوخذة عيسى القطامي، ويروي التركيت أن حسين العسعوسي، وهو من نواخذة السفر في الكويت، كان يمتلك المخطوط وعندما ذهب التركيت لسؤال حسين العسعوسي عن المخطوط أخبره بأنه لم يعد يمتلكه، لكن عيسى بن قطامي استفاد من المخطوط قبل كتابة كتابه "دليل المحتار"، ويبرر التركيت سبب عدم إشارة القطامي للشعيب أن ثقافة توثيق المعلومات لم تكن موجودة في عقلية ذلك الجيل، ويختم حديثه حول هذه النقطة بالتدليل أن الشيخ عبدالعزيز الرشيد أخذ تواريخ وفيات شيوخ الصباح عن هامش وتعليقات ملا حسين التركيت على كتاب الأنطاكي.الهدف من المقال ليس محاولة تبيان من كتب عن الملاحة البحرية قبل الآخر، إنما الهدف هو تشجيع الباحثين والمهتمين في سبر أغوار تاريخ الكويت أكثر، فتكرار ما قاله السابقون لا يضيف شيئا، وهنا يجب التنبيه إلى نقطة مهمة جدا وهي عدم التدليس أو اقتطاع الدليل تحت ذريعة الإتيان بالجديد كما يفعل البعض اليوم. إنما النقطة المهمة في البحث تكمن في استخدام الأدوات المنهجية العلمية للتاريخ في تطوير المادة الموجودة بين أيدينا ومحاولة توسيع نطاق الصورة النمطية التي رسمت عن تاريخ الكويت حتى اليوم إذا توافر الدليل، وتخلى الباحث عن الأهداف الضيقة.مما شد انتباهي أيضا في مقابلة التركيت هو أن الشيخ أحمد الفارسي، رحمه الله، كان يحفظ ديوان المتنبي عن ظهر قلب، وهو والله أمر عظيم أتمنى أن يكون عندي همة كهمة من سبقونا بشرط أن يقترن الحفظ بالفهم والتحليل.شوارد:"التاريخ علم الأشياء التي لا تتكرر"بول فاليري
مقالات
ترانيم أعرابي: بين كتاب بن قطامي ومخطوط بن شعيب
10-05-2016