ترانيم أعرابي: لا تعضّ الكلب!
يحكى أن جاهلاً يمتلك صوتاً عالياً كان عنده كلب سمين صوت نباحه يصم الآذان، تعوّد الجاهل أن يلبس قناعاً لأنه جبانٌ لا يستطيع المواجهة، وليس له من أخلاق الفروسية شيء، عاش الجاهل سنوات عديدة يطعم كلبه ويسمّنه وحينما يمر أحد بقرب بيته يطلب من الكلب أن ينبح وينبح ليخيف المارة.يوماً بعد يوم صار هذا الكلب حديث القرية، فهو عجيب غريب ينبح على بعض المارة ويترك آخرين، استغرب الناس من هذا التصرف، فالكلب لا عقل له ولا يفكر! إذاً كيف يختار الكلب فهذه ظاهرة غريبة تستحق الدراسة؟!
بدأ بعض العقلاء في القرية متابعة الكلب ودراسة حالته، فوجدوا أن صاحبه قد درّبه على أن ينبح إذا شاهد رجلاً يرتدي عمامة حمراء أو سيدةً تلبس البرقع، أما إذا مر قربه من يرتدي العمامة البيضاء أو من تكشف وجهها وربما شعرها فهو لا يروّعهم! شيء غريب عجيب.ذهب العقلاء لمجلس حكماء القرية وطالبوهم بتطبيق قانون القرية على الكلب، فهو سببٌ في ترويع الآمنين وتفريق المجتمع، ضحك بعض أعضاء مجلس الحكماء، وقالوا هل تجعلون من الكلب قضية القرية الأولى؟ اتركوه ينبح فلن يضر أحداً أو لعلكم تطلبون من أصحاب العمائم الحمراء سد آذانهم فهو ليس سوى كلب! لم يقتنع العقلاء بهذا الكلام، فقد أدركوا أن الجاهل المقنع هو السبب الرئيس في المشكلة، وكرهه لفئة من سكان القرية أعماه، ولذلك يحاول تفريق القرية شيعاً لتكون له السيادة.لم يكتفِ سيد الكلب بكلبه بل اشترى كلباً آخر، ودرّبه لينبح كصاحبه، ورجع العقلاء لمجلس الحكماء فقالوا لهم إن الكلاب ستجبر بعض السفهاء وأصحاب العقول الصغيرة أن يفعلوا ما لا تحمد عقباه! لكن مجلس الحكماء هذه المرة انقسم ودبّ الخلاف فيه، فصار بعضهم مؤيداً للكلب وبعضهم لا يريده، فقام العقلاء بطرح حلٍ بسيط: طبقوا قانون القرية على الكلب، والقانون ينص على حجزه في غرفة مظلمة لا يرى فيها أحداً، فرفض بعض الحكماء بدعوى حقوق الحيوان، وآخرون بحجة حرية الكلب في النباح، وهو ما حيّر العقلاء، فالقانون واضح؛ أي كلب يؤذي سكان القرية ويسبب خدشاً في العلاقة بين مكوناتها يجب أن يدخل الغرفة المظلمة!يئس العقلاء من مجلس الحكماء فصاروا يطوفون على مجالس أهل القرية يحذرون أهل العمائم الحمراء من مؤامرة ضدهم، ويطلبون من أصحاب العمائم البيضاء الوقوف مع أهل قريتهم، وهذا ما كان، فقد اجتمع أهل العمائم كلهم في ساحة "اللقاء" وطالبوا زعيم القرية بحلّ مجلس الحكماء الذي يطبق قوانين القرية بمزاجية، وكان لهم ما أرادوا واجتمع العقلاء مع الجميع محاولين إفهامهم أن مجلس الحكماء دوره مهم، ولذلك عليهم أن يتحدوا ويخرجوا حكماء يرتقون بالقرية لكنهم فشلوا لأن الكثير ممن اجتمعوا في ساحة اللقاء فكروا في مصالحهم الشخصية. بدأت مرحلة الاستعدادات لاختيار مجلس الحكماء، وهنا حدثت الطامة الكبرى! الجاهل المقنّع يريد أن يسجل الكلبين كمتنافسين مع البشر! هل يعقل أن يدخل الكلبان مجلس الحكماء؟! ثار العقلاء وأصحاب العمائم لكن دون جدوى، ففي قانون القرية ثغرةٌ واضحة تنص على "يحق لكل كائنٍ حي أن يدخل السباق على مقاعد مجلس الحكماء"!الغريب في الأمر أن الجاهل نجح في استقطاب عدد من السذج للتصويت للكلبين! ومع الأيام زادت شعبية الكلبين وحار العقلاء، ونفدت منهم الأفكار، وزاد النباح، وبدت أنياب الكلبين واضحة، بل تطور الأمر إلى حد محاولة الكلبين مهاجمة أصحاب العمائم الحمراء، ومن يقف معهم من أهل العمائم البيضاء، فطالب العقلاء الناس بالهدوء لكن أحد الكلاب عضّ رجلاً عمامته حمراء، فثار بعض أصحابه وذهبوا وعضّوا الكلب وأحرقوا منزله الخشبي!ذُهل العقلاء من ردة الفعل هذه، وأصابتهم الدهشة حينما وجدوا بعض أصحاب العمائم يؤيدون من عضّ الكلب ويباركون فعلته، وأدرك العقلاء أن الجاهل المقنع قد وصل إلى حاجته وسهل الطريق أمامه، فمن السهل التقبل بأن كلباً عض إنسانا لكن من الصعب العكس!يحاول العقلاء حالياً أن يجمعوا شتاتهم وينشروا بين أصحاب العمائم الحمراء والبيضاء أن خصمهم لا يريد مجلس حكماء، خصمهم لا يريدهم متحدين، المقنع الجاهل يريد قريةً فيها أسياد وعبيد، ومن جُبنِه لا يستطيع قول ذلك بصراحة على الرغم من كل إمكاناته ونفوذه، فآثر أن يستخدم قاعدة الاستبداد الشهيرة "فرّق تسد!"، وهو الآن يحاول سنّ قاعدة جديدة "أطلق كلبك وسيعضه بعضهم!".شوارد:"اللبيب بالإشارة يفهم"!