الرواية في جانب منها، هي كذبٌ فني يُراد به قول حقيقة، وهي انفتاح على شهوة كلامٍ يُراد له أن يكون حياةً تضاهي حياة الواقع، وهي بوحٌ لا يبتعد عن حياة وتجربة ووعي صاحبه. ولأنها كذلك، ومنذ انطلاقها في أوروبا في القرن الثامن عشر، فلقد استحوذت على اهتمام ومتابعة القراء، لكن، ومع مرور الوقت، وتبدل سرعة عجلة الحياة اليومية، أخذت الرواية تبدل من جلدها شكلاً ومضموناً. فهي لصيقة الحياة، ولا يمكن أن تكون بمنأى عن تبدلاتها.

Ad

صحيح أن الرواية في أهم خصائصها لا شكل محددا لصياغتها، وأنها تغري الكثيرين بالدخول إلى مملكتها، لكن الصحيح أيضاً أنها ماكرة لا تتوانى عن كشف صاحبها، مشيرة بخبث إلى مكامن ضعفه، وفاضحة لنسيانه قدرة القارئ على التمييز بين الحبكة والتشويق المدروسين وبين الإطالة المملة.

في الكويت، هناك جيل من الشباب الذي رأى في الكتابة الروائية مجالاً خصباً للتعبير عن موهبته وقناعاته، وليس صعباً على المتابع للشأن الثقافي أن يرى أنه في العقد الأخير، برز عدد لا بأس به من كتّاب الرواية الشباب، وكانوا بمستويات متباينة. فهناك من قدّم عملاً بسوية إبداعية لافتة، وهناك من كان يشير لموهبة يمكن الرهان عليها، وهناك فئة ثالثة كانت بعيدة عن المستوى المطلوب للكتابة الروائية السوية، ومن بين الأسماء التي تبشر بموهبة واعدة، الكاتبة موضي رحال.

في رواية «الإعدام أختاً» الصادرة عن دار نوفابلس للنشر والتوزيع بطبعتها الأولى في نهاية عام 2015، تقدم موضي رحال نفسها كروائية شابة متمكنة من لغتها بالدرجة الأولى، وقادرة على قياد سرد روائي ناضج بالدرجة الثانية، وهي إلى جانب هذا وذاك كانت أمينة في أن تقول بيئتها، وهذا أجمل ما في الرواية. فالرواية ومنذ صفحاتها الأولى تقدم بيئة خاصة بها، بيئة قد تكون غير معروفة للقارئ العربي، ولا أبالغ إذا قلت إنها قد تكون كذلك حتى لبعض القراء في الكويت.

«كان صمت أمي مستمراً. عندما تتكلم يبدو كلامها مفتعلاً ومصطنعاً. كانت مرغمة على التحدث بنفس لهجة والدي، حتى لا نكتسب من لهجتها شيئاً... رغم أنها كانت لا تخطئ في كلامها إلا نادراً، تبقى مساحة صوتها لحنا يشير إلى لهجتها الام... يوم وفاة أحلام، ومن غرفة جدتي المظلمة... التصقتُ بالنافذة لأرى أمي تمدّ قدميها بجانب الحائط... تفصلها عن مجلس الرجال قطعة قماش حرمتها من التعبير... كانت تدق رأسها على الجدار الخشن... تدس ملفعها في فمها... تفرك ذراعيها بكفيها... تلتفت ولا تجد أحداً... كان عمر أمي يوم ماتت أحلام ثمانية عشر عاماً». ص22

الرواية في جلها تأتي بصيغة ضمير المتكلم، على لسان بطلتها ياسمين أو أحلام. فحبكة الرواية تدور حول موت طفلة لرجل يقوم بتسمية ابنته الثانية باسمها: «أعلم أني ياسمين، وأبي يقول إني مت... إذن أنا لم أعد أنا، أصبحت هي... كانت هذه بدايتي في التمثيل والذي امتد معي لسنوات». ص28

الرواية تقدم حياة متلاطمة تأتي ممزوجة بلغة روائية موحية، تؤكد بشكل واضح على علاقة الكاتبة موضي رحال الواضحة والجميلة باللغة العربية، وهذا يشكل أحد أهم الملامح الملتبسة التي تصاحب مسيرة الرواية الكويتية الشبابية. فهناك من الشباب منْ يكتب الرواية بلغة ركيكة نحواً وصرفاً، إلى جانب من يكتبها باللهجة العامية، وربما شكل ذلك ضعفاً واضحاً في أي عمل روائي.

رواية «الموت أختاً» مكتوبة بتسلسل زمني، يظهر علاقة الطفلة ياسمين بما يحيط بها، وهو إلى جانب ذلك يقدم صوراً دلالة لحالة بعض الأسر الكويتية، وبما يشكل رابطاً بين الحالة الأسرية وحالة المجتمع، ويؤكد على مقول؛ الرواية توثيق اجتماعي للحظة الراهنة.

موضي رحال اسم لروائية شابة يمكن وبكثير من الثقة المراهنة عليها، ونحن بانتظار القادم.