الصمت المريب!!
ما أصبحت عليه الأوضاع في العراق يستدعي موقفاً عربياً جدياً، لأنَّ الفتنة الطائفية التي غدت "تنخر" عظام هذا البلد ستنتقل إلى دول أخرى، قريبة وبعيدة، أقله أن يكون هناك رفض، وأن تكون هناك إدانة لما تحاول إيران إقحام الدول العربية فيه، وخاصة المجاورة. كان مشهد "لفِّ" أحد صواريخ "الحشد الشعبي" بصورة ذلك الإرهابي نمر النمر إثارة طائفية واضحة، وكان المقصود من توجيه هذا الصاروخ نحو مدينة "الفلوجة" المحاصرة منذ أن سلمها نوري المالكي لتنظيم "داعش" الإرهابي تحدياًّ للعرب السنة الذين بقوا يعاملون منذ عام 2003 على أساس أن هناك مهزومين وأن هناك منتصرين، وأنهم هم المهزومون، ويجب أنْ يبقوا يدفعوا ثمن مواقفهم خلال الحرب العراقية – الإيرانية. والمفترض أن العرب، مثلهم مثل الإيرانيين، شاهدوا القائد العسكري لـ"الحشد الشعبي" وسمعوه وهو يخاطب "طابوراً" طويلاً من مغاوير "حشده" ويقول لهم، وهو يشير إلى "الفلوجة" بإصبعه، إنه "لا يوجد في هذه المدينة وطنيٌّ واحد"! وكان هذا بالطبع تحريضاً واضحاً لهؤلاء المغاوير للقيام بعمليات تطهير مذهبي في هذه المدينة، وعلى غرار ما حصل في مدن عراقية كثيرة.
والمشكلة أن هذا "الحشد الشعبي" أصر وبقي يصر على التدخل في كل المدن التي كان المالكي قد سلمها لـ"داعش"، وكلها مدن سنية، مما يعني أن هناك قراراً إيرانياً بتحويل هذا الصراع المحتدم منذ ما بعد عام 2003 من صراع قومي طابعه عربيٌّ – فارسيٌّ إلى صراع طائفي بين العرب الشيعة والعرب السنة، وحقيقة إنَّ أخْذ الأمور في هذا الاتجاه سيكون كارثة الكوارث، وسيؤدي إلى دمار أكثر خطورة من الدمار الذي حل بسورية والعراق وأيضاً باليمن، والذي من الممكن أن ينتقل إلى أي دولة عربية أخرى إن لم يبادر العرب إلى وقفة جدية وجادة تضع حداً لكل هذه التحديات.إنه غير جائز إطلاقاً أن يكون هناك كل هذا الصمت، في حين باتت "الفتنة" تقترب من معظم دولنا... ويقيناً أنه إنْ لم يبادر العرب إلى التصدي وبكل جدية لما تقوم به إيران في العراق وسورية وفي لبنان وفي اليمن فإنهم سيجدون أنفسهم ذات يوم قريب أمام كارثة حقيقية قد تستمر لعقود عديدة، وعلى غرار ما حصل، عندما استطاع الصفويون التمدد عسكرياً نحو الغرب، واحتلوا العراق إلى أن حرره العثمانيون بعد حروب تواصلت مئات الأعوام.كنا نصرُّ كعرب على أنَّ الإيرانيين إخوة، وحقيقة إنه إذا كان المقصود هو الشعب فإن هؤلاء بالفعل إخوة وأشقاء، لكن المشكلة أن ما نريده ونسعى إليه لا يريده أصحاب "الكراسي" المرتفعة في طهران، وأن هناك استهدافاً لهذه الأمة ممن يفترض أنه يجمعهم بها تاريخ طويل ومصالح آنية مشتركة، وهذا يستدعي ألا يكون كل هذا الصمت المريب وكل هذا "التعامي" عمَا حلَّ بالعراق وسورية. والمطلوب هنا هو أولاً: قطع الطريق على كل محاولات إثارة الفتن بين السنة والشيعة، وثانياً: "فرز" العرب "المؤلفة" قلوبهم والتعامل معهم بطرق غير الطرق الحالية... وثالثاً: تحويل قمة "نواكشوط" المقبلة إلى قمة اتخاذ موقف عربي جدي من إيران التي تمادت كثيراً في التدخل في الشؤون العربية الداخلية.