عمر عاصم وراشد الفرحان
كان اسم السيد عمر عاصم يُردد مع مؤسسي المدرسة المباركية، وجلساء الشيخ مبارك الصباح، وكنت أتمنى أن يصدر به كتاب يوفيه حقه العلمي والثقافي والفقهي حتى تكرم الأستاذ الدكتور راشد الفرحان بإهدائي كتابه القيم: "السيد عمر السيد عاصم، شيخ قراء الكويت"، وجاءت حلية الكتاب بمقدمة وافية للدكتور يعقوب يوسف الغنيم وإضاءة لمعالمه.قال عن السيد عمر عاصم: هو رجل علم وعمل وفضل، ومن نسل الدوحة الشريفة التي لا يأتي من رجالها ونسائها إلاّ كل خير... لقد ارتبط اسمه بالمدرسة المباركية، وعرف عنه الوفاء والإخلاص والتقوى والورع.أشار الدكتور يعقوب إلى الدكتور راشد الفرحان الذي سلط ضوءاً باهراً على ذلك الزمان الجميل الذي التفت فيه أبناء الكويت إلى أهمية التعليم النظامي، وأدركوا حاجة وطنهم إليه، فشدوا العزم على تلافي قصوره، إلى أن دارت عجلة التعليم النظامي بفضل إخلاصهم ومحبتهم لوطنهم.
ولفت المؤلف الدكتور الفرحان إلى الذين ساهموا في نهضة الكويت العلمية، منهم الشيخ الجليل السيد عمر عاصم الحسني المكي، وألحق بالشيخ اسم "السيد" لكونه من أشراف آل البيت، حيث كانت أوصولهم ومن أسرة عمر عاصم من الحجاز، حيث سكنوا قرية الجموم المحاذية لمكة المكرمة، وكانت هذه العائلة الكريمة قد نشأت في محيط مكة المكرمة – ينتهي نسب هذه الأسرة الكريمة إلى الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام. كانت الدولة الإسلامية ذات وحدة منيعة تحت راية إسلامية، تحملها الأسرة العثمانية التركية التي حمت حدود وثغور الإمبراطورية الإسلامية.ولد السيد عمر عاصم في مدينة أزمير، وحمل منها لقبة (الأزميري) سنة ألف وثمانمائة وسبعين في القرن التاسع عشر وليس الثامن عشر كما ورد في خطأ مطبعي في الصفحة رقم (23). تلقى السيد عمر تعليمه في تركيا على يد والده، والشيخ عمر لطفي، وكانت الدولة العثمانية ترعى اللغة العربية، لغة القرآن الكريم وعلوم الفقه الإسلامي، وتحمي المواطن المقدسة، الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى المبارك... كان هذا في عهودها الأولى.وكان على المؤلف د. راشد الفرحان أن يتجنب ما حام حول السيد عمر من إشاعات بأنه كان موالياً للإنكليز ومن أعداء الأمة العربية، وأنه كان من أنصار الماسونية.ولو كانت هذه التهم صحيحة لوجدناه من أثرياء البلاد كما كان الموالون للإنكليز والمنتمون للماسونية والمعادون للعروبة.كان المؤلف في غنى عن وصف المؤرخين هكذا: (المؤرخون الخاوية عقولهم من العقيدة الإسلامية الراسخة)، لأن بعض المؤرخين ليس لهم صفة الشمول... ولا ننكر نحن أن الدولة العثمانية قد حكمت العالم العربي بالاضطهاد والتعذيب، حتى عُرفت بدولة الكرباج والخازوق والضرائب القسرية وسياسة التَّتريك لطمس اللغة العربية طوال خمسة قرون. المواطنون في مصر والمغرب العربي والحجاز وفي بلاد الشام الكبرى والعراق لا يعيّن المواطن منهم في وظيفة في بلاده إلاّ إذا كان يتقن اللغة التركية كتابة ونطقاً وولاء، وكانت تركيا تُجند العرب في حروبها بالسخرة، ولا تعود بهم إلى بلادهم عند هزائمها العسكرية في أوروبا الشرقية وإفريقيا وفي جنوب أوربا... وقد تكون هجرة عائلة السيد عمر من تركيا ابتعاداً عن مظالمها.ومما يحكى عن ارتباط السيد بالكويت رغم جوها الصحراوي القاسي وندرة مياهها، أن الشيخ مبارك الصباح في أول رحلة له لتركيا قد انبهر بطبيعتها الجميلة ومائها وزراعتها، فتساءل عن نزوح السيد إلى الكويت فأسرّها في نفسه حتى عاد وسأل السيد عمر أن بلدك تركيا جنة الله في أرضه، المياه والخضرة وكل ما تشهي الأنفس من غذاء، فأجابه: نعم بلادنا هي ما تفضلت بها من نعيم وخبرات، ولكن الذي عندكم هو الأفضل، قال: ما هو، قال: عندكم الأمن والأمان – فَبُهت الأمير وشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الأمن والأمان في البلاد.أما صديقنا الأستاذ الدكتور راشد عبدالله الفرحان فإنه رجل عصامي، أدرك حبه للدراسة وذكاءه، فلاحق ركب العلم، إلى قلعة العلوم الفقهية (الأزهر)، ونال الشهادة العالمية منها، وواكب المسيرة الديمقراطية في البلاد، وانتخب لأربع دورات في مجلس الأمة من سنة 1963 إلى 1976، وعين وزيراً للأوقاف من 1971 إلى 1979، وعمل بالمحاماة 30 عاماً، وأثرى المواقع التي خدم فيها الوطن... له خالص التحية لمؤلفه "السيد عمر السيد عاصم شيخ قراء الكويت".