قال تقرير "الشال" الأسبوعي إنه للوهلة الأولى، يبدو إيجابيا قيام مجلس الوزراء في اجتماعه بتاريخ 16 مايو، بمناقشة تقرير شركة "موديز" العالمية، بشأن تصنيف الكويت الائتماني، والذي حافظ فيه على تصنيفها بدرجة Aa2 الجيد، مع نية مراجعته خلال سنة، لكن عند التدقيق في واقعة مناقشة التقرير في ذلك الاجتماع يجدر التساؤل، حول ما إذا كان من وظيفة مجلس وزراء في دولة ذات سيادة مناقشة تقرير صادر عن شركة تجارية أجنبية، بل وأن يصرح، نقلا عن "كونا"، أن المجلس "لن يدخر جهدا باتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على التصنيف الائتماني"، فيما يفترض أن يحظى فقط بتصريح من وزير مختص.
تقرير «موديز»وأضاف "الشال" أن تقريراً مثل الذي أصدرته "موديز" لا يحمل جديدا من حيث تحذيره من اختلالات الاقتصاد الكويتي، وسبقه الكثير في ذكر التحذيرات ذاتها، شاملا تقرير "بلير"، الذي موَّلته الحكومة، وعليه من المستبعد أن يُساق محتوى تقرير "موديز" كمبرر دفع مجلس الوزراء لمناقشته، كما لو أنه تطور جديد، بل الأرجح أن المناقشة جاءت في سياق التحضير السياسي والإعلامي، غير الناجح حتى الآن، لتسويق تنفيذ أجندة الإصلاح الاقتصادي، إلا أن أي وصفة إصلاح اقتصادي سياسي، لا يجوز أن تطبخ بمقادير أجنبية، إنما بوعي وقناعة وطنيين راسخين.وأكد التقرير أن الاستعانة بالخبرات الأجنبية أحيانا مبرر، سواء كانت في هيئة شركات عالمية خاصة، أو مؤسسات دولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، خصوصا في الشؤون الفنية البحتة، لكن أن تتم صياغة السياسة الاقتصادية الوطنية بتأثير كبير ومباشر من جهات أجنبية، فهذا أمر خطر، وفيه ردة إلى عهد ما قبل الاستقلال السياسي والإداري للدولة.وشدد على أن الخبرات والآراء الأجنبية، مهما كان تقدمها، يندر أن تتمكن من الإحاطة بمختلف أبعاد الوضع السياسي والاجتماعي المحلي، وهو الوضع الذي لا يمكن فصله عن أي مشروع إصلاح اقتصادي كبير، فأي إصلاح من هذا النوع، سيكون فيه رابحون، وأيضا خاسرون، وهذا ينطبق بوضوح على سياسات مثل الإصلاح الضريبي والخصخصة وإعادة هيكلة الرواتب، فتلك طبيعة عمل الاقتصادات، خصوصا على المدى القصير، ومن يخاطر بالتعامل مع مثل هذه الأمور على أنها فنية بحتة لا يكون ناضجا، ولن يتمكن من فهم الأمور على حقيقتها، ولن يكسب القبول السياسي والاجتماعي الضروري لتنفيذ الإصلاح الاقتصادي مع ضمان استقرار المجتمع.القرار الاقتصاديوقال: من الواضح أن مختلف الجهات الأجنبية الخاصة والدولية تحرص على عدم التطرق إلى الجانب الاقتصادي السياسي من الاقتصاد، والذي يُقصد به هنا كيفية اتخاذ القرار الاقتصادي في الدولة، ونوعيته، وجودة تنفيذه، والقدرة على محاسبة التقصير، والذي لا يمكن أن يُفصل عن النظام السياسي، الذي يفرز ويقيم المسؤولين عن القرار الاقتصادي. وتابع: إن كان مفهوما تجنب الجهات الأجنبية التعرض للجانب الاقتصادي السياسي، مخافة التعرض لسخط الإدارة العامة وسد باب رزق، فإن هذا لا يعني أن الجانب الاقتصادي السياسي غير مهم، بل يدفع للانتباه إلى أن هذه الجهات الأجنبية لا تملك إلا أن تقدم صورة مجتزأة عن الواقع الاقتصادي، وبالتالي يجب أن توضع آراؤها في هذا السياق، ولا تضخم.وأشار "الشال" إلى أن هناك جوانب أخرى سلبية في واقع الاستعانة بالخبرات الأجنبية، وتبرز في الكويت ودول مجلس التعاون خصوصا، مثل المبالغة في عدد الخبراء، والمبالغة في رواتبهم ومزاياهم، إضافة إلى ضعف الرقابة على جودة العمل والتزامه بالميزانية المرصودة والمدة الزمنية المقررة، خصوصا في ظل نظام من الحوافز يجعل من مصلحة الخبير إطالة مدة المشروع، ما يفتح في هذه الدول بابا جديدا للهدر يضاف إلى ضخامة الهدر المتدفق أصلا. هذا فضلا عن التوظيف الإعلامي لهذه الخبرات الأجنبية عبر الاستفادة من ألسنتها للتعبير عن رسالة الحكومة بصوت جديد، وهو ما يحدث مثلا في بعض تقارير البنك الدولي التي تنشر في الصحف، فهي تبدو ناقدة من جهة لأداء الحكومة الفني والإداري، وليس الاقتصادي السياسي، لكن المؤكد أنها لا تنشر ما ينشر إلا بمعرفة مسبقة من الإدارة العامة.وقال التقرير: يبقى الخطر الأكبر، هو النزعة المتزايدة لدى الإدارة العامة لتسليم الجهات الأجنبية دورا تنفيذيا، وليس مجرد استشاري في جهاز الدولة، والذي يحدث عادة بسبب فشل الإدارة العامة نفسها، وعجزها عن تطوير الكفاءات الوطنية. لكن، يبقى استقلال القرار الاقتصادي السياسي ووطنية الإدارة العامة أمرين لا يمكن التفريط فيهما، مهما كانت حدة الانحراف الاقتصادي الذي نريد تقويمه، وإلا وجدنا أنفسنا في بيئة من نوع جديد، وذلك فقط ما تفعله الإدارات العامة الفاشلة.
اقتصاد
النزعة المتزايدة لتسليم الجهات الأجنبية دوراً تنفيذياً لا استشارياً فقط خطيرة جداً
29-05-2016