معركة الفلوجة تطلق موجة ضد التطرف
أعادت معركة الفلوجة فتح الجراح الطائفية العميقة في العراق والمنطقة، وخاصة بعد أن حاولت ميليشيات مقربة من إيران إظهار نفسها كفاعل أساسي في المعارك، واستخدام رموز مذهبية تثير الانقسام، وهي بذلك أحرجت حكومة العبادي والقوات النظامية وواشنطن الحليف الأبرز في مواجهات غرب العراق والحريصة على اتخاذ إجراءات لمنع النفوذ الإيراني من التمدد نحو الحدود السعودية والأردنية والسورية.لكن العنصر الجديد الذي ولد داخل هذه المواجهات الطائفية المكررة، هو بروز موجة من الشباب العراقيين من كل الطوائف، تعمل على مكافحة خطابات التطرف والكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يواظب هؤلاء كل ليلة على إطلاق هاشتاغ (وسم) على فيسبوك وتويتر، ليصبح خلال دقائق المحور الأكثر تداولاً بين الشباب العراقي، ويحمل مضامين مناوئة للتطرف.وفي العادة، فإن المدونين المعتدلين في العراق يعيشون عزلة كبيرة ولا يمتلكون تأثيراً واسعاً، مقارنة بالصوت العالي للتطرف من كل المكونات، لكن نجح الناشطون المتطوعون هذه المرة، في حين فشلت الآلة الإعلامية للحكومة والأحزاب.
وبينما تغرق وسائل الإعلام التابعة لأحزاب السلطة، في نبرة طائفية تعتبر الفلوجة موضوعاً لـ«الانتقام»، أطلق الناشطون هاشتاغ «الفلوجة تغسل وجهها»، محاولين التذكير بأن المدينة التي أنتجت فصائل مسلحة مناوئة للدولة؛ أنتجت كذلك شخصيات سياسية شاركت منذ عام ٢٠٠٦ في طرد تنظيم «القاعدة» وتحجيم دوره. وجن جنون المتطرفين الشيعة لهذه المضامين، لكن الناشطين استطاعوا فتح النقاش حول مستقبل التعايش بهدف التخفيف من مستويات الاحتقان على منصات التدوين والنشر.كما أطلق الناشطون هاشتاغ «الفلوجة... محررين لا معتدين» انتقدوا فيه روح الثأر التي تحدث بها قيس الخزعلي أحد أبرز قادة الميليشيات، وأشادوا بمشاركة آلاف المتطوعين السنة في قتال «داعش» بالأنبار.أما «داعش» فهو مستفيد كبير من أخطاء الميليشيات الشيعية المتطرفة، لذلك نجح في ترويج هاشتاغ «الفلوجة تواجه إيران» الذي يوحي بأن المعركة تدور بين مدينة سنية وجيش إيراني، في بروباغاندا مضادة لمحاولات بغداد وواشنطن الهادفة إلى تقوية دور الجيش النظامي، ومنع الانتهاكات التي حصلت سابقا في تكريت وديالى أثناء المعارك مع «داعش» العام الماضي.لكن الناشطين أطلقوا «وسماً» مضاداً هو «الفلوجة تواجه داعش»، مفاده أن المدن السنية كانت أكبر ضحية لسياسات التنظيم المتشدد، وأن الحل هو التعاون مع الحكومة لخلاص مدن غرب العراق من الخراب الحالي، ورسم صيغة عدالة سياسية وإدارية، بديلة عن صيغة الانتقام الميليشياوي أو التطرف الداعشي.ويقول الناشطون العراقيون إنها أول تجربة ينتشر فيها خطاب الاعتدال الصعب بهذا النحو، ويلاقي اهتماماً واسعاً حتى من قبل مدونين من دول الخليج وباقي أجزاء العالم العربي، حتى إن مواقع إلكترونية عالمية مهتمة باتجاهات التدوين خصصت جزءاً من نشاطها لمحاولة فهم هذه «الموجة الجديدة» التي لن تحسم المعركة لمصلحة الناشطين المدنيين، لكنها فرصة تثبت أن بإمكانهم التحول إلى نِدّ لخطاب التطرف الذي حكم السجال العراقي سنوات طويلة، في سياق رغبتهم في تخفيف درجة الكراهية التي أغرقت البلاد والمنطقة في بحر من الدم.