الإعلام العربي أخفق في تغطية قضية اللاجئين
يعرف العالم العربي أزمات اللجوء والنزوح منذ أربعينيات القرن الفائت، حين نشأت أزمة هجرة الفلسطينيين ونزوحهم؛ وهي الأزمة التي ظلت عنواناً لمآساة إنسانية، جسدت معاناة نحو تسعة ملايين لاجئ ونازح فلسطيني.ومع مطلع العقد الحالي، نشأت أزمة لجوء ونزوح عربية جديدة، بدأت أبعادها تتخذ مسارات أكثر حدة ومآساوية، حينما اندلعت الانتفاضات في بلدان عربية مثل سورية، واليمن، وليبيا، إضافة إلى العراق، الذي بدأت قضايا النزوح واللجوء في الهيمنة على أخباره، مع الغزو الأميركي في عام 2003، وصولاً إلى تكوين "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وانخراط العراق في صراع دموي، أنتج موجات جديدة من المهاجرين والنازحين، في ظل أوضاع أمنية غاية في الخطورة، ليبلغ عدد النازحين من هذا البلد نحو 3.3 ملايين نازح.وتظل الأزمة السورية هي الأكثر إنتاجاً لموجات النازحين واللاجئين والمهاجرين، بسبب تسارع الأحداث الأمنية والعسكرية فيها، وزيادة نطاق العنف، واعتماد بعض الأطراف المتصارعة أساليب القتل العشوائي، والتطهير، والإجلاء القسري.
وتشير الاحصاءات التي أعدتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى أنه، وفي العام الخامس للأزمة السورية، بات هناك أكثر من 4.6 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار وأكثر من 90 ألف سوري طلبوا اللجوء إلى أكثر من 90 دولة خارج الإقليم، كما بلغ عدد المواطنين الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية داخل سورية نحو 12.6 مليون سوري، يبلغ عدد النازحين بينهم نحو 7.6 ملايين نازح. وفي اليمن، أفرزت الصدامات والعمليات العسكرية حالة إنسانية معقدة تتسم بانعدام الأمن وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين، لتصل حالياً إلى نحو 2.8 مليون شخص. تؤكد مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تركيز وسائل الإعلام على أزمات اللاجئين يؤدي إلى زيادة اهتمام المجتمع المدني والمؤسسات بالإسهام في الاستجابة لتلك الأزمات والتفاعل معها.يشير ذلك إلى أن قيام وسائل الإعلام بدورها في عرض مشكلات اللاجئين، وتسليط الضوء على معاناتهم، يعزز إمكانية توفير فرص المساعدة المقدمة لهم من الجهات المعنية.وتبرهن المفوضية على ذلك، مستندة إلى أن بعض الدراسات والأبحاث أثبتت أن "التغطية الإعلامية لضحايا كوسوفو، والأزمة الشيشانية، حركت مشاعر قوية، وأظهرت تعاطفاً في تركيا، وكانت حافزاً لتنفيذ برنامج مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".يعتقد باحثون ومتابعون للشأن الإعلامي والتغطية الإعلامية للأزمات الإنسانية في المنطقة العربية، أن الإعلام يكرس مساحة "لا بأس بها" لتغطية أوضاع النساء السوريات وقضاياهن في سياق الصراع المندلع في سورية حالياً.لكن هؤلاء ينتقدون الطريقة التي يتم تقديم المرأة السورية بها خلال تغطية ذلك الصراع، معتبرين أن بعض التغطيات الإعلامية "تشوه الواقع المعاشي للغالبية العظمى من النساء السوريات اللاجئات والنازحات، إذ يتم إظهارهن كضحايا سلبيات للحرب، من دون أي دور فاعل في الأحداث". إن تسليط الضوء على معاناة النساء المختلفة من النزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية وعمليات القمع والانتهاك يساهم في حشد الرأي العام لدعم عمليات التعويض والإغاثة وجبر الضرر، لكن تنميط صورة المرأة، وإظهارها غالباً في دور الفريسة والضحية السلبية، أمر يؤدي إلى تداعيات وخيمة.تثور مخاوف حقيقية من تركيز وسائل الإعلام المفرط والمبالغ فيه أحياناً على الاستهداف الجنسي للمرأة اللاجئة والنازحة، أو الأنشطة المثيرة للجدل التي تُنسب إليها، في سياق التغطيات.وترصد مراكز بحثية وحقوقية الكثير من العناوين "المسفة" في وسائل الإعلام بخصوص أوضاع المرأة النازحة واللاجئة، تقدمها خلالها على أنها "هدف جنسي" أو "سلعة تباع وتشترى"؛ وهي للأسف تغطيات تحظى بمتابعات كبيرة على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي. وتُظهر التعليقات المنشورة على مثل تلك الموضوعات اهتماماً من المتابعين، لا ينصرف إلى المغزى الإنساني أو سياق الصراع، بقدر ما يركز على الأبعاد "الشهوانية" و"الإثارية" للموضوعات.تستند معظم تلك الموضوعات إلى "مصادر مجهلة"، أو تختلق وقائع، أو تشوه حقائق، أو "تفبرك" روايات، كما تم رصد بعض وسائل الإعلام التي تعرض قصصاً مستندة إلى "شهود عيان مأجورين"، يتم توفيرهم عبر "سماسرة" متخصصين.تخلق تلك الأنماط من التغطية إشكاليات كبيرة يجب مقاربتها بحثياً، وعلى رأس تلك الإشكاليات بالطبع كيفية الموازنة بين تكثيف تغطية أوضاع اللاجئات والنازحات، في سياق أزمات اللجوء، من جانب، وعدم التورط في استغلالهن لأهداف "إثارية"، خصوصاً في ظل ميل الجمهور لمتابعة الأخبار التي تتعلق بالانتهاكات الجنسية وإساءة معاملة النساء.من بين أهم العيوب التي تعتري التغطية الإعلامية العربية لشؤون اللاجئين والنازحين أن تلك التغطية يتم توظيفها سياسياً لمصلحة القوى المهيمنة على وسائل الإعلام.تقوم وسائل الإعلام العربية المملوكة للدول بتغطيات تخدم صورة الأنظمة الحاكمة، بأكثر مما تراعي القواعد المهنية، أو تخدم قضية اللاجئين. يتم توظيف التغطيات الإعلامية سياسياً في أغلب الأحيان، عبر التركيز على الضغوط التي تعانيها الدول المستضيفة، أو الجهود التي تبذلها سلطاتها من أجل رعاية اللاجئين، دون أن تبرز معاناة اللاجئين أنفسهم.وأظهرت بعض الدراسات العلمية أن أصوات اللاجئين أنفسهم لا تظهر سوى بنسبة 9% من إجمالي التغطيات التي تخص معاناتهم، في وقت تظهر أصوات فاعلين سياسيين آخرين بنسب أكبر.ووفق دراسة أجراها كاتب تلك السطور، لمصلحة "منظمة المرأة العربية"، عن تغطية الإعلام العربي لقضايا النازحين واللاجئين، وتمت مناقشتها في مؤتمر عقدته المنظمة، في القاهرة، في 5 مايو الجاري، فإن التغطيات الإعلامية العربية لتلك الظاهرة اعتمدت على مصادر أجنبية أكثر مما اعتمدت على المصادر الذاتية لوسائل الإعلام المبحوثة.وأوضحت الدراسة أيضاً أن المنهج "الإثاري" هيمن على شق من المعالجات الإعلامية، خصوصاً فيما يخص أوضاع المرأة النازحة واللاجئة.لقد أصبح العالم العربي أكبر مصدر للنازحين واللاجئين في العالم في العقد الحالي، ومع ذلك، فإن التغطية الإعلامية العربية لتلك القضية تظل أقل مما يجب، وأكثر اعتماداً على المصادر الأجنبية، وأكثر عرضة للتوظيف السياسي.* كاتب مصري