من حق السينما المصرية مشاركة العالم الاحتفال بالمئوية الرابعة للشاعر والكاتب البريطاني وليام شكسبير (23 أبريل 1564 - 23 أبريل 1616)، إذ لم تكن بمنأى عن استلهام أفكار رواياته، واقتباس ملامح شخصياته.وإذا كانت السنوات السبع الأولى من العقد الأخير من القرن العشرين (-1990 1996) شهدت وحدها إنتاج عشرة أفلام عالمية مأخوذة عن مسرحيات من تأليف شكسبير، بما يعني أنه «كاتب كل العصور»، حسبما أطلق عليه، و{النبع الذي لا ينضب» بالنسبة إلى كتّاب السينما والمسرح معاً، فإن السينما المصرية كانت سباقة إلى النهل من نبع «شكسبير» لثلاثة أسباب: أولها اعتماد السينما المصرية في بداياتها على نقل واقتباس الأفكار الغربية، وثانيها الألفة التي دائماً ما يستشعرها الجمهور المصري تجاه شخصيات «شكسبير»، وثالثها، وهو سبب يرتبط بالسبب الثاني، طغيان الجانب الأخلاقي والحكم والمأثورات على إبداعه، بما يجعله، ويجعل أعماله، أكثر قرباً، والتصاقاً، بعاطفة المصريين وثقافتهم!
دليلي على هذا أن السينما المصرية لم تقترب مثلاً من أعمال مثل: «ريتشارد الثالث»، «هنري الخامس» و{يوليوس قيصر» (معروف السبب بالطبع)، كذلك «الليلة الثانية عشرة» (الليلة الثانية عشرة من احتفالات عيد الميلاد، وآخر ليلة يُحتفل فيها بعيد الميلاد) بينما أولت اهتماماً كبيراً، بتقديم رواية «الملك لير» في أفلام: {الملاعين» (1979) إخراج أحمد ياسين، «حكمت المحكمة» (1981) إخراج أحمد يحيى و{إنهم يسرقون عمري» (1982) إخراج علي عبد الخالق، كونها تتناول ظاهرة عقوق الأبناء القريبة من الواقع العربي، مثلما احتفت برواية «ترويض النمرة» في أفلام من بينها: «الزوجة السابعة» (1950) إخراج إبراهيم عمارة «جوز مراتي» (1961) إخراج نيازي مصطفى، «المتمردة» (1963) إخراج محمود ذو الفقار و{استاكوزا» (1950) إيناس الدغيدي لكن أشهرها «آه من حواء» (1962) إخراج فطين عبد الوهاب. ويرجع السبب إلى أن طبيعة «كاثرين» الشرسة والعدوانية، التي تخفي رقة تنتظر الرجل الذي يُجيد التعامل معها، لا تبتعد كثيراً عن طبيعة العلاقة الجدلية بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي/ الشرقي. لسنا في حاجة إلى تأكيد أهمية «روميو وجولييت» بالنسبة إلى أي كاتب يسعى إلى إضفاء رومانسية إلى نصه السينمائي، وشكلاً من أشكال الصراع إذا اقتضى الأمر، لكن اللافت أنه باستثناء فيلمين على أكثر تقدير، أهمهما «شهداء الغرام» (1944) إخراج كمال سليم، انحرفت السينما المصرية عن «النص»، وأنهت علاقة الحب المستحيل بالزواج، وليس بالموت كما أراد «شكسبير»، وهو ما لم تفعله، بالطبع، في الأفلام المأخوذة عن «عطيل»، مثل: «الشك القاتل» (1953) إخراج عز الدين ذو الفقار، «المعلمة» (1958) و{أبو أحمد» (1959) إخراج حسن رضا و{الغيرة القاتلة» (1982)، الذي كان الجسر الذي عبر عاطف الطيب من فوقه إلى السينما المصرية، التي نظرت إلى تيمة «الغيرة» بوصفها بضاعة عربية ردت إلينا، وأن «عُطيل» هو عربي مغربي ساقته الأقدار لأن يكون بطلاً لرواية غربية، ومن ثم لم تخن الأمانة، وقدمت «عُطيل» بالشكل الذي يُرضي غرور عشاق «الشكسبيريات»، الذين توقفوا كثيراً عند «هاملت»، الذي قدمه المخرج كمال الشيخ في فيلم «وثالثهم الشيطان» (1978) ثم المعالجة الفقيرة للمخرج حسن حافظ في فيلم «يمهل ولا يهمل» (1979). لكن أحداً لم يتحفظ أو يُبد اعتراضاً على الإشارات الكثيرة المتكررة للمخرج يوسف شاهين عن «هاملت»، الذي بدا مفتوناً به، وقيل إنه كان يرى نفسه فيه، ورغم هذا ظلّ «هاملت» بمثابة الحلم بعيد المنال، والمشروع السينمائي الذي لم يخرج إلى النور!هنا تفرض المناسبة سؤالاً من نوعية: لماذا تجاهلت السينما المصرية «حلم ليلة صيف» رغم كل ما تتضمنه الرواية من سحر وجمال ومزج بين الخرافة والأسطورة، وتداخل رائع بين الخيال (عالم الجن) والواقع (أثينا القديمة التي يمكن تحويلها إلى أي أرض عربية)؟ في تفسيري المتواضع أن السينما المصرية، التي لا تعرف المغامرة، و{تلعب على المضمون»، وتخشى العواقب الوخيمة، لا يمكن أن يهديها تفكيرها إلى صنع فيلم عن «حلم ليلة صيف»، فالفيلم «الفانتازي» يعني قدرة على امتلاك خيال، وموازنة ضخمة، وشركات الإنتاج المصرية لا تملك هذا ولا تلك، بينما الخرافة أو الأساطير تمثل محرمات في نظر الرقابة، ودخول في الممنوع، وهرطقة!أربعمئة عام على وفاة «شكسبير»، وما زالت السينما المصرية تتذكره، وتنظر إليه بوصفه «صاحب فضل» لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وربما خرج علينا جيل جديد من الكتاب يستلهم قضاياه من الواقع، وليس من أدبيات «شكسبير». لكن الأمر المؤكد أن مخلوقاً، مهما بدا معتداً بإبداعه، لا يمكن أن يتواقح أو يتطاول على «الأسطورة»، فالأفكار على قارعة الطريق بالفعل، لكن «شكسبير» ما زال يقف منتظراً في نهايته!
توابل - سيما
فجر يوم جديد : «المئوية الرابعة»!
30-05-2016