نحو انفراج سياسي مُجدداً
من الطبيعي أن تتغير المواقف السياسية نتيجة تغير المعطيات والظروف، فليس هناك موقف سياسي واحد ثابت وجامد تجاه كل الأحداث السياسية المُتسارعة والمتغيرة، أما المبادئ فثابتة.وإذا ما أتينا لما هو مطروح على الساحة السياسية منذ فترة حول استمرار مقاطعة الانتخابات القادمة أو المشاركة فيها، فإن هناك عوامل من المفترض أخذها في الاعتبار، ومن ضمنها:1- مقاطعة الانتخابات العامة، في أي مكان وزمان، هي موقف سياسي، وقد حصلت في السنوات الأخيرة لرفض عملية انفراد الحكومة بتعديل النظام الانتخابي باعتباره حجر الأساس في العملية الديمقراطية، إذ لا يجوز أن تنفرد الحكومة بإقرار نظام انتخابي تضع فيه قواعد العملية السياسية وطريقة ممارستها، ففي هذه الحالة لن يكون للمجلس دور سِوى ما تراه الحكومة، أي إضفاء شرعية شعبية غير حقيقية على أعمالها، وهو ما أثبتته التجربة خلال السنوات الماضية.
2- تغيّر المعطيات والظروف يترتب عليه تغيّر في المواقف السياسية، فما الجديد؟ هل تحقق، مثلاً، ما قيل إن النظام الذي وضعته الحكومة سيحققه، أم العكس؟ بمعنى آخر، هل التغيير الذي حصل نتيجة الانفراد بتغيير النظام الانتخابي يأتي في مصلحة المشاركة في الانتخابات، أم في مصلحة الاستمرار في المقاطعة والمطالبة بإصلاح سياسي- ديمقراطي جذري، خصوصاً أن التجربة تبين أن ما حصل لم يطور نظامنا الديمقراطي، ولم يضع حداً للفساد السياسي المؤسسي، وينهي الاستقطابات الفئوية والطائفية التي ازدادت في الآونة الأخيرة؟ 3- موافقة أطراف وعناصر سياسية على ما حصل لا يعني، بالضرورة، صحته، فكل طرف سياسي يقيس الأمور ويتخذ المواقف بحسب مبادئه ومصالحه.وفي هذا السياق فإن الموقف الأخير لجماعة الإخوان (حدس) الذين قرروا فيه إنهاء المقاطعة ينسجم مع قناعاتهم واصطفافاتهم السياسية، ويأتي للمحافظة على مصالحهم بالدرجة الأولى، وذلك على الرغم من أنه كان على النقيض تماماً من موقفهم السابق، أي أنه انقلابٌ في الموقف مقداره 180 درجة فاجأ الذين لا يعرفون أن تنظيم الإخوان يجيد لعبة توزيع الأدوار، إذ لديهم دائماً سلّة فيها الموقف ونقيضه معاً، بل اعتبره البعض الآخر تخلياً في منتصف الطريق عن "المعارضة" ورموزها وعناصرها الذين تضرروا نتيجة مواقفهم أثناء المقاطعة، ولكن متى كانت جماعة الإخوان هي بوصلة التغيير الديمقراطي والتقدم الاجتماعي؟ منذ متى كانوا مدافعين عن الديمقراطية والحريات العامة والشخصية؟ ومنذ متى كانوا في صفوف المعارضة الحقيقية وهم الذين نشأوا وترعرعوا في كنف الأنظمة العربية؟لقد كان للتنظيم الدولي للإخوان ومن ضمنه "إخوان الكويت" وذراعهم السياسية "حدس" موقفٌ "إيجابيٌ" من الثورات والاحتجاجات والانتفاضات العربية خصوصا بعدما تأكدوا من نجاح بعضها، كما في مصر مثلا، حيث ظنوا أنها الوسيلة المناسبة أو السلّم الذي سيوصلهم إلى السلطة، ولكن إسقاط الشعب المصري لحكمهم في ثورة 30 يونيو، والتغييرات السياسية الكبيرة في المنطقة، خصوصاً موقف بعض دول مجلس التعاون منهم، جعلا التنظيم الدولي للإخوان يعيد رسم استراتيجيته وتموضعه السياسي، بحسب ظروف كل بلد على حدة، ويتراجع عن بعض الشعارات التي اعتبرها البعض، عن حسن نية، أنها مع الديمقراطية والحريات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.وعلى أي حال، المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات العامة موقف سياسي تمليه ظروف محددة ومعطيات معينة، أما الانتهازية السياسية التي مارستها وتمارسها بعض "القوى السياسية" فلن تؤدي إلا إلى الاستمرار في عملية سياسية عقيمة كلفتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أكثر من فائدتها، بصرف النظر عن نسبة المشاركة في صناديق الاقتراع، وهذا معناه استمرار الفساد السياسي المؤسسي والتراجع على المستويات كافة في وقت نحن في أمس الحاجة إلى استثمار طاقاتنا كافة من أجل تطور وطننا وتقدمه. وكما ذكرنا من قبل فإن الأنظمة السياسية التي لا تتطور تُعيد إنتاج مشاكلها بأشكال وألوان مختلفة، والمعادلة الصفرية معادلة فاشلة في العمل السياسي، لذا فبدلاً من الضغط على الناس للمشاركة في معادلة سياسية أثبت الواقع فشلها، فإن المطلوب هو مبادرة انفراج سياسي من قِبل السلطة السياسية مع مشروع إصلاح سياسي-ديمقراطي جديد يخففان من حدة الاحتقان السياسي الحالي المرجح استمراره وتفاقمه، ويمهدان الطريق لتوافقات سياسية جديدة كي نتقدم خطوة للأمام بدلاً من الدوران في حلقة مفرغة.