* لماذا ترك المستشار فيصل المرشد منصبه وقرر التقاعد رغم أن مدته القانونية لم تنته بعد ومازال في عطائه القانوني؟
- لقد آثرت التقاعد بعد أن قضيت حياتي كلها في العمل القضائي، خصوصاً أن العمل القضائي شاق ومعاناته مستمرة، فما بالك بالقاضي القيادي ثم لنُعطي الفرصة لإخواننا الأفاضل - وفقهم الله- ليواصلوا المسيرة والقيادة، لذا فضلت الراحة من هذا العناء الذي حملته طوال السنين الماضية.تجربة القضاء الكويتي الحديث
* ما رأيك في تجربة القضاء الكويتي بعد صدور الدستور وكيف تقيمها؟
- لقد صدر دستور دولة الكويت في عام 1962، ونص في الباب الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي على أن العدل والمساواة من تلك الدعامات التي تصونها الدولة (المادتين 7، 8)، وبالتالي نصَّ في الباب الثالث الخاص بالحقوق والواجبات العامة على أن الناس سواسية ومتساوون لدى القانون (مادة 29)، وحظر القبض على الإنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة والتنقل إلا وفق أحكام القانون (مادة 31)، وتوِّج ذلك بنصه على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها، (مادة 32)، وأن العقوبة شخصية، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تَؤمَّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع (المادتين 33، 34)، ثم وفي الباب الرابع الخاص بالسُلطات نص على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير في حدود الدستور (مادة 53)، وفي الفصل الخاص بالسلطة القضائية، قضى أن شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم أساس المُلك وضمان للحقوق والحريات (مادة 16)، وأنه لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، وأنه لا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل (مادة 163)، وأن القانون يُرتِّب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويبين وظائفها واختصاصاتها (مادة 164)، وأن جلسات المحاكم علنية، إلا في الأحوال الاستثنائية التي يبينها القانون (مادة 165)، وأن حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق (مادة 166)، وأن النيابة العامة تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، وتشرف على شؤون الضبط القضائي، وتسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام، كما يُرتِّب القانون هذه الهيئة وينظم اختصاصاتها ويُعين الشروط والضمانات الخاصة بمن يولَّون وظائفها، مع جواز أن يُعهد للأمن العام تولي الدعوى العمومية في الجنح استثناء (مادة 167).كما حرص الدستور على النص على أن يكون للقضاء مجلس أعلى يُنظمهُ القانون ويبين صلاحياته (مادة 168)، وعلى أن القانون ينظم الفصل في الخصومات الإدارية (مادة 169)، ويُرتِّب الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للحكومة وصياغة مشروعات القوانين واللوائح وتمثيل الدولة أمام جهات القضاء (مادة 170)، وأن القانون يُعين الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتُعلقة بدستورية القوانين واللوائح (مادة 173).وقد ترتب على صدور الدستور متضمناً أُسس بناء الدولة والحقوق والواجبات العامة، وأن السلطة القضائية تتولاها المحاكم، وعدم جواز التدخل في سير العدالة، وكفالة استقلال القضاء، وضمانات القضاة وأحوال عدم قابليتهم للعزل، ترتب على ذلك صدور التشريعات المنفذة لهذه الأصول الدستورية، وعلى رأسها قانون تنظيم القضاء وقانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون المحكمة الدستورية، وغير ذلك من القوانين الخاصة، وتلك التي أقامت بُنيان السلطة القضائية، مما كان له الأثر الأكبر في تثبيت أركان القضاء الكويتي ومواكبته للنهضة التشريعية التي عمَّت البلاد في الستينيات وبعد صدور الدستور، حتى غدا القضاء الكويتي قضاءً شامخاً يُشار إلى أحكامه بالبنان في ربوع الوطن العربي، وبعد أن ازدادت دور العدالة بازدياد صدور التشريعات المنظمِّة لحياة الناس كقانون محاكم الأسرة، والقوانين المتعلقة بنشاط سوق الأوراق المالية. إن مهمة القضاء لا تقتصر فحسب على تطبيق القوانين، بل المساهمة في وضعها وتطويرها، وذلك بإبداء الاقتراحات اللازمة لتعديلها أو إصدار تشريعات جديدة، سواء عبر المجلس الأعلى للقضاء أو من خلال اللجان التشريعية المختصة، كاللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الأمة، أو لجنة تطوير التشريعات بوزارة العدل، والتي يشارك فيها أعضاء من المجلس الأعلى للقضاء ومن بعض الزملاء المستشارين.ويتمتع القضاء بثقة عالية لدى المجتمع، وهو ما دعا المشرع إلى إسناد انتخابات مجلس الأمة والمجلس البلدي إلى رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة دون غيرهم، كما أسند إليه المشرع مسألة الفصل في الطعون الانتخابية للمجلسين المذكورين، كما أصبح قضاؤنا يحظى بسمعة طيبة في المحافل الدولية، وذلك من خلال مشاركة رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة في المؤتمرات والندوات الدولية التي تُعقد على مدار العام، وأيضاً من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي عقدتها الكويت مع الكثير من دول العالم. وخيرُ دليل على نجاح تجربة القضاء الكويتي عطاؤه الوفير والبات فيما أصدره من أحكام، حتى غدت القواعد والمبادئ التي أرستها محكمة التمييز تُراثاً قانونياً يُنير الدرب أمام جُندِ العدالة وطُلاب العلم، وقد تولى المكتب الفني لتلك المحكمة - مشكوراً - نشر هذه القواعد والمبادئ في موسوعة حديثة للمبادئ التي أرستها خلال مسيرتها الميمونة.«مجلس الدولة»
* هل تؤيد إنشاء مجلس للدولة في الكويت وفق ما سمح به الدستور؟
- لا أؤيد حالياً إنشاء مجلس الدولة، وليس كُلُّ ما بشّر به الدستور يلزم تنفيذه، والوقت غير مناسب لإنشائه، خصوصاً أنه سيُحِّمل الدولة أعباءً مالية ومباني، والقضاء نفسه يعاني نقصا شديدا في مباني دور العدالة، خاصة أن المُستأجَر منها لا يُحقّق الغاية المنشودة، ولا أؤيد فصل القضاء الإداري عن القضاء، وإن كان هناك ضغط على الدوائر الإدارية، فليس الحل في إنشاء المجلس المذكور، وبالإمكان زيادة أعداد الدوائر الإدارية وزيادة عدد القضاة المتخصصين في هذا النوع من الأنزعة، إضافة إلى ان إنشاء مجلس الدولة يعني استقلال القضاء الإداري في هذا الكيان الجديد مع قسم التشريع والافتاء في إدارة الفتوي والتشريع، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه إما للاستعانة بقضاة جُدد من الخارج أو إدخال عناصر مدنية ليصبحوا قضاة في المجلس المشار إليه، وهو ما يتعارض مع سياسة المجلس الأعلى للقضاء، وبقاء القضاء موحَّداً تحت مرجعية واحدة يجعله قوياً وأكثر استقلالاً.كما أن الدستور حينما نصّ على إنشاء المحكمة الدستورية في المادة (173)، ونص في المادة (169) على إنشاء المحاكم الإدارية، كما نصّ في مادته (170) على إنشاء هيئة للإفتاء وصياغة مشروعات القوانين، فقد استعمل الدستور عبارةً تفيد الإلزام في إنشاء الجهات الثلاث السالفة البيان. ولكنه حينما تكلم عن (مجلس دولة) في المادة (170) منه، للقضاء الإداري والافتاء والصياغة، استعمل عبارة "يجوز بقانون إنشاء مجلس دولة .........."، أي انه ترك الأمر في إنشائه لمحض تقدير صاحب القرار، تبعاً للظروف، ولم يستعمل صيغة الإلزام، كما فعل في إنشاء الجهات الثلاث المشار إليها.* هل تؤيد إشراك السياسيين من المجلس والحكومة كما أشارت المذكرة التفسيرية بعضوية المحكمة الدستورية؟
- لا أؤيد إشراك السياسيين والأكاديميين في عضوية المحكمة الدستورية،أولاً: لأن الدستور نص في المادة (173) صراحةً على "الجهة القضائية" ولم يقل جهة قضائية سياسية، وهذه الجهة القضائية هي التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وهذه المادة وردت ضمن مواد الفصل الخامس الخاص بالسلطة القضائية وكان في إمكانه القول إنها "جهة مختلطة".ثانياً: إن التشكيل المختلط مُنتقد حتى في الدول التي تتبناه ومنها فرنسا ودول المغرب العربي، لاسيما أن المذكرة التفسيرية في هذا الخصوص لا تمثل سوى رأي من أعدها، وليست رأي بُناة الدستور.وأخيراً ولكون السياسيين غالباً ما يتأثرون بآراء وأفكار معينة مما يؤثر على تجردهم، والتجرد هو أهم سمات القاضي، فضلاً عن كتابات وندوات وآراء تجعلهم غير صالحين للحكم... إضافة إلى أن جوهر العمل القضائي هو مداولة القضاة في الحكم وتشاورهم فيه، والذي قد يستغرق شهوراً وربما أكثر، وسرية المداولة هي من الأسس الأصولية في إصدار الحكم والمداولة فيه، وإفشاء سر المداولة يعتبر جريمة لأنه يُفقِد الحيدة ويُثير البلبلة واللغط، والسياسيون ليسوا كالقضاة في كِتمان أسرار المداولات والمشاورات واحتكاكهم بالناس بشكل يومي بحكم طبيعة ظروفهم، وانظر الى المداولات السرية للساسة في كل زمان ومكان! كيف يتم تسريبها ونشرها بوسائل الإعلام، علاوةً على أن إدخال الشخصيات العامة في تشكيلها يُشكّك في حيدتها، ويجعل للاعتبارات السياسية وزناً في أحكامها، كما ان إشراكهم على النحو المتقدم يُعدُّ تدَخُلاً في القضايا وفي شؤون العدالة، حتي ولو جاء الأمر بواسطة التشريع الذي يكون في هذه الحالة منطوياً على مخالفة دستورية خطيرة، ولقد سبق أن شرحت الأمر للجنة التشريعية في مجلس الأمة، واقتنعوا بالرأي الذي استعرضته معهم ومبرراته، بل أثنوا عليه، وهذا الرأي والتبرير هو الذي تبناه مجلس الأمة سنة 1973 حينما أصدر قانون إنشاء المحكمة مُنتصراً للتشكيل القضائي الصرف.فضلاً عن ان التشكيل المختلط يتضمن إهداراً لضمانات استقلال القضاء، وإخلالاً بمبدأ فصل السلطات، إذ أُدخل في تشكيل المحكمة الدستورية، وهي (جهة قضائية) عناصر غير قضائية، وأسبغ عليهم ولاية القضاء، خلافاً لحكم الدستور، والذي حدّد اختصاصات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تحديداً قاطعاً على سبيل الحصر، وليس من بينها ممارسة القضاء.* وضع الإدارة العامة للتحقيقات مؤقت وهي جهة يفترض أنها تابعة للقضاء ألم يحن الوقت برأيك لضمها وإصلاح هذا الوضع؟
- إدارة التحقيقات إدارة تابعة لوزارة الداخلية، وإن كانت جهة مستقلة في عملها الفني، والاستثناء الذي نصّ عليه الدستور في مادته (167) بشأن تولي (وزارة الداخلية) الاختصاص في الدعوى العمومية في جرائم الجنح، إنما هو استثناء من الأصل وهو ليس مؤقتاً، خصوصاً أن المشرع استن سنة محمودة، وهي ان الجنح المهمة في القوانين الحديثة قد أسند الاختصاص فيها – ولأهميتها - الى النيابة العامة، ولم يبق من اختصاص لوزارة الداخلية سوى الجنح التقليدية أو العادية.تقييم دور المحكمة الدستورية
* المحكمة الدستورية في الكويت أدت خلال السنوات الماضية دورا كبيرا في الحياة السياسية كرقابتها على مراسيم الحل والضرورة، فما تقييمك للدور الذي تقوم به؟
- المحكمة الدستورية جهة قضاء مستقلة عن جهة القضاء العادي الذي تترأسه محكمة التمييز، وأحكام المحكمة الدستورية مُلزمة للكافة ولجميع سلطات الدولة، وقد أسند لها المشرع الدستوري مهمة جليلة ورسالة سامية، فهي تمارس رقابتها على التشريعات، مهما بلغت أهميتها وأبعادها وآثارها باعتبارها الحارسة على أحكام الدستور، تدعيماً لمبدأ سيادة الدستور، بوصفه المُعبِّر عن إرادة الأمة ضماناً لصونه والحفاظ على كيانه، ولا يجوز التحدي بأن رقابتها هذه – مهما بلغت- تُعتبر عملاً سياسياً، أو تدخلاً في عمل السلطة التشريعية أو التنفيذية، إذ إن من شأن ذلك أن يُفرِّغ الرقابة الدستورية من مضمونها، بل ويجردها من كل معنى، ويُفضي الى عدم خضوع أي عمل تشريعي لرقابة المحكمة الدستورية، وهو أمر لا يستقيم القول به. وليس أدل على حجم الثقة التي تحظى بها المحكمة الدستورية من أن المشرع قد أسند إليها اختصاصات ليست من صميم عملها الأصلي، كمسألة فحص الطعون الانتخابية، وهذا دلالة أكيدة على مدى ثقة المشرع بهذه المحكمة، ولنتأمل أحكام التفسير التي تميزت بها المحكمة وذَاع صيتُها على مستوى يخرج عن حدود الإقليم، وكيف رسخَّت بها أحكام الدستور وأزالت الغموض واللبس الذي اكتنف بعض نصوصه عند التطبيق، وهو اختصاص اصيل يُستمد من نصوص الدستور، الذي أولاها إياها، وليس من قانون إنشائها، وبالتالي ليس لأي تشريع قانوني أن يسلبها ذلك الحق بأي صورة كانت، ما لم يكن تعديلاً على نص المادة الدستورية (حكم المحكمة الدستورية الصادر بمناسبة طلب تفسير المادة (173) من الدستور الخاصة بإنشاء المحكمة الدستورية) بدليل ان طلبات التفسير منها ما هو مُقدم من مجلس الوزراء ومنها ما هو مُقدم من مجلس الأمة، ونهجت المحكمة منهجاً بارزاً فشملت رقابتها الدستورية مراسيم الضرورة، وهو تطور طبيعي ومحمود لقضائها وسيسجل التاريخ للمحكمة الدستورية بدولة الكويت قيامها برسالتها خير قيام وإرساءها مبادئ راسخة في القضاء الدستوري.* هل تؤيد بسط رقابة القضاء على مسائل الجنسية جميعا أم بعضها؟
- تنص المادة (2) من قانون تنظيم القضاء على انه: "ليس للمحاكم أن تنظر في أعمال السيادة".* ألم يحن الوقت ليتحلل القضاء من نظرية أعمال السيادة؟
- استقر قضاء محكمة التمييز (العليا) على خروج أعمال السيادة عن ولاية القضاء، إعمالاً لحكم المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء المار ذكرها، وكذلك المادة الأولى من قانون انشاء دائرة إدارية لنظر المنازعات الإدارية التي استثنت مسائل الجنسية من اختصاص تلك الدائرة. وأعمال السيادة هي تلك التي تكون فيها الصبغة السياسية السمة البارزة فيها، لما يُحيطها من اعتبارات سياسية، حيث تصدر من الحكومة بوصفها سلطة حكم لا بوصفها سلطة إدارة، بهدف المحافظة على كيان الدولة في الداخل، والذود عن سيادتها في الخارج، ودعم أركان الأمن والسلم فيها. أما إذا كانت مجرد قرارات إدارية ذات طابع اجتماعي تصدرها الحكومة في نطاق وظيفتها الإدارية، فإنها حينئذ تنأى عن أعمال السيادة، وتخضع بالتالي لرقابة القضاء.وكان مفاد نصوص قانون الجنسية الكويتية ومذكرته الإيضاحية أن مسائل الجنسية الكويتية وما يتعلق بها من قرارات تتسم بطابع سياسي املته اعتبارات خاصة تتعلق بكيان الدولة ذاته، والتي لها كامل الحق في تعيين من يكون مُتمتعاً بجنسيتها، ومن لا ترى له ذلك، وهي بهذه المنزلة تُعد من أعمال السيادة التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم، لا سلطة إدارة، ومن ثم فإذا كان الطلب لا تدور المنازعة فيه حول اكتساب الجنسية، وإنما يدور البحث فيه حول مدى صحة بيانات السجلات الخاصة بذلك، وما اثبته الموظفون المختصون فيها، فإن الدعوى تخرج عن المنازعات المتعلقة بأمور الجنسية التي تُعدُّ من أعمال السيادة. وما دام الأمر معروضاً على القضاء، فلا يجوز الخوض فيه أكثر.تجربة المرأة
* ما رأيك في تجربة المرأة؟ وهل تؤيد تعيينها بالقضاء والتوسع بتعيينها في النيابة؟
- نعم نجحت المرأة في خوضها تجربة العمل في النيابة العامة، وهذه التجربة تُمهِّد لها صعود منصة القضاء بصورة تدريجية.* تعرضت لهجوم كبير من نواب سابقين لماذا هذا الهجوم برأيك؟ وكذلك القضاء تعرض قبل عام لحملة منظمة قادها البعض فكيف تقيم تلك الفترة؟
- من الطبيعي أن يتعرض رأس القضاء، وقياداته والقضاء نفسه تراه اول ما يُستهدف عند الفتن بوصفه أهم سلطة وأبرزها، فتراه يُمدح إذا صدر الحكم لمصلحة صاحب الشأن، ويُقدح متى ما صدر الحكم لغير مصلحته اتباعاً لسياسة الهوى والدهماء، ولقد كانت الفترة التي تقصدها فترة عصيبة واجهناها بسلاح الصبر والحزم والتمسك بالأعراف القضائية والثوابت الدستورية حتى مَنَّ الله تعالى على سفينة العدالة بنعمة الوصول الى برِّ الأمان، وتبرأ القضاء مما قذفه به الظالمون، وذلك بعون من العزيز القدير، ثم بالوقفة الثابت للقيادة السياسية وثقتها المطلقة بقضائنا الشامخ وبدعم المخلصين من أبناء هذا الوطن الغالي.ولا يصح إلا الصحيح، ولا ننسى ان اول من استهدف في التاريخ هم الأنبياء والرسل والمصلحون والعلماء، وللأسف ان حديث الإفك والافتراءات لن يتوقف عند هذا الحد، لكن الله تعالي يخبرنا في مُحكم كتابه العزيز أنه "ولا يَحِيْقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلا بَأَهْلِه"- "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ - "إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ".* أين وصل قانون استقلال القضاء؟ وهل تؤيد الاستقلال الكامل أم التدريجي؟
- مشروع استقلال القضاء جرى طرحه عدة مرات منذ أوائل الثمانينيات ولقد آن الأوان أن يستكمل القضاء استقلاله كشأن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليأخذ وضعه الدستوري الطبيعي كمؤسسة تستقل بشؤونها المالية والإدارية أسوة بالسلطتين المشار إليهما، والمشروع على حدِّ علمي لا يزال في اللجنة التشريعية بمجلس الأمة. خاصة أن كثيراً من الدول العربية والمجاورة سبقتنا في هذا الشأن.مشروع الحكومة
* كيف ترى مشروع الحكومة المحال إلى مجلس الأمة الذي يحمل اسم استقلال السلطة القضائية؟
يتعين الخروج بمشروع قانون يتناسب مع ما وصل إليه قضاؤنا من شأن كبير، وقد حان الوقت لكي نخطو في إنجاز هذا الأمر للأمام بخطوات ثابتة ومؤثرة يذكرها التاريخ، وألا نتعثر أو نتردَّد.* ما رأيك في ردة فعل القضاة برفع دعاوى قضائية عبر دائرة طلبات رجال القضاء للمطالبة ببعض المزايا المالية والحقوق التي أقرها مجلس القضاء؟
- أنا رأيي أن القاضي لا يقاضي، أو على الأقل لا نُلجئه الى المطالبة أو حق من يكفلهم، والأخوة الأفاضل الزملاء – وفقهم الله – يعرفون ذلك عني، وبالنسبة للأحكام فالأولى تنفيذها عن طريق إدراجها وتقنينها ضمن مشروع قانون استقلال القضاء المطروح حالياً على اللجنة التشريعية، وهي رؤية المجلس الأعلى للقضاء، ولا ننسي ان القاعدة هي ان تنفيذ الأحكام القضائية مظهر من مظاهر سيادة الدولة.* ما تقييمك لدور معهد القضاء في تطوير أداء القضاة؟
- مما لا شك فيه ان للمعهد القضائي دورا محوريا وعمليا في تأهيل قضاة المستقبل وتطوير وتنمية إمكاناتهم ومَلَكاتهم، وكل مؤسسة تُعنى بالعلم والتأهيل والتدريب من الطبيعي ان تخضع للتطوير والتجديد بما يُحقق الغاية المنشودة من إنشائها، وبداية يلزم التركيز على الجانب العملي في التدريب وتكثيفه، كما يحسُن توسيع دائرة مشاركة كبار رجال القضاء في الإشراف على التدريب بهدف نقل خبرتهم العملية الى النشء من قضاة المستقبل وتطبيعهم - من ناحية أخرى - على التقاليد القضائية وأعراف من يحملون رسالة إحقاق الحق والعدل، مع التقليل من المحاضرات النظرية والاستعانة بكبار رجال القضاة من الدول الشقيقة لذات الغاية، لا سيما ان المعهد قد خطا خطوات جادة في سبيل رفع أدائه سواء كتنظيم آلية العمل، واشتراط أن يقدم المتدرب تقريراً مختصراً عما استفاده من كل دورة وبرنامج علمي، مع إنشاء لجنة قضائية لنظر تظلمات المتدربين بشأن الدرجة العلمية الممنوحة له، إضافة إلى تكريم المتميزين في نهاية الدورة السنوية وابتعاثهم للدول المتقدمة، لاكتساب لغة المصطلحات القانونية باللغات الأجنبية والاطلاع على النظام القضائي لديها وما فيها من معاهد مثيلة.ولقد تُوِّجت مساعي التطوير بانتقال إدارة المعهد والمتدربين الى مبنى المعهد الجديد المقابل لقصر العدل، والذي شُّيِّد على أحدث طراز في بناء المعاهد القضائية المتخصصة، ويُعدُ منارة خليجية وعربية لإعداد قضاة الغد وتهيئتهم لحمل الأمانة.* هل تؤيد تطوير تجربة إدارة التفتيش القضائي؟ وكيف؟
- نعم أؤيد تطوير إدارة التفتيش القضائي وتنويع آليات التقييم والتفتيش، فمن ناحية يلزم أن يكون لهم مقر مستقل يسمح بتطوير العمل وليس كما هو حالياً مع دعمه بالمفتشين من كبار رجال القضاء الوطنيين، وتوسيع دائرة التفتيش لتمتد إلى متابعة الجلسات القضائية ابتغاء التوجيه والإرشاد وتصحيح الإجراءات وضبط العمل وتيسيره، إضافة إلى توسيع دائرة التفتيش المفاجئ على الجلسات بقصد حسن سير العمل القضائي وتنقيته من أي مثالب أو قصور، والوقوف على أي عقبات مادية أو قانونية قد تعوق سير العدالة، مع زيادة تقارير التقييم، وعدم قصرها على تقريرين للمرشح للترقية خلال الفترة البينية، وعلى ألا يقتصر دور الإدارة على مجرد فحص أعمال قضاة ووكلاء المحكمة الكلية بل ليمتد لمن هو في درجة أعلى.* هناك عدد من رجال القضاء يشتغلون بالتجارة هل هناك آليه لمنعهم؟
- لا يجوز لرجل القضاة الجمع بين وظيفة القضاء، أو النيابة العامة، ومزاولة التجارة أو أي عمل لا يتفق وكرامة القضاء واستقلاله، او يتعارض مع واجبات الوظيفة وحُسن أدائها، المادة (25) من قانون تنظيم القضاء، وأي شكوى تقدم في هذا الشأن الى إدارة التفتيش القضائي تأخذ حقها من التحقيق والتصرف بتجرد وحزم، وهناك بعض من القضاة – وفقهم الله – آثروا ترك القضاء والتفرغ لأعمالهم الخاصة بمجرد أن تم تنبيههم لذلك الأمر.اشتراك القاضي في أجهزة التواصل الاجتماعي الحديثة
* هناك عدد من رجال القضاء يشتغلون بالتجارة فهل هناك آلية لمنعهم؟
- حرص الدستور بالنص على استقلال القضاء بحسبانه إحدى الدعائم الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في البلاد، فنص بالمادة 162 من الدستور على ان شرف القضاة ونزاهتهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات، وانطلاقاً من هذه المبادئ الدستورية السامية، وحفاظاً على هيبة القضاء، وكرامة رجاله، فقد حظر المجلس الأعلى للقضاء على كل رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة القيام- بدون إذن سباق من المجلس – بتقديم أية برامج في وسائل الإعلام كافة، أو الإدلاء بأية أحاديث أو الاشتراك في أية لقاءات أو ندوات، لِمُنافاة ذلك لهيبة الرسالة السامية التي يقومون عليها، وسمو العمل الذي وُسِدَ إليهم، ولكي يكونوا بمنأى عما يُطرح في جميع وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مما يجب عليهم عدم الخوض فيه أو التعليق عليه، مما يؤثر في حيدتهم واستقلالهم، بما قد يُعرِّضهم للنقد والقدح، ولأن الإيمان بعدل القضاة والثقة بالإنصاف لديهم والقسط في الحكم، إنما يكمن أساساً في نزاهتهم وحيدتهم وتجردهم عند أداء مهمتهم الجليلة وما يُغفر للكافة، لا يُغفر للقضاة.وقد دعاهم المجلس للحفاظ – دائماً- على القيم والتقاليد القضائية العريقة ليظل قضاؤنا في مكانته الرفيعة المرموقة ومنزلته السامية.* كيف يتم تقييم الوضع المادي والاجتماعي للقاضي الكويتي؟ وماذا ينقصه؟ وهل يُعامَلُ كسُلطة؟
- لا يزال القاضي لم يأخذ وضعه الاجتماعي ولا حتى المادي، وهو الوضع المأمول لعضو السلطة القضائية في أهم مؤسسة دستورية، التي نصَّ دستورها على أن "شرف القضاة ونزاهتهم أساسُ المُلك، وضمان للحقوق والحريات"، فلا يوجد مكتب خاص لكل مستشار ليتداول فيه قضاياه مع زملائه بالدائرة القضائية الواحدة، او يستقبل فيه إخوانه القضاة وأعضاء النيابة.وليس لهم ناد حتى الآن يجمعهم تحت سقف واحد ليتعارفوا فيه ويتداولوا في قضاياهم، ويستقبلوا فيه الوفود الزائرة والضيوف، ويقيموا فيه ندواتهم واجتماعاتهم الرسمية ويباشروا فيه أنشطتهم الاجتماعية والثقافية، ويكون لهم منهلاً لاكتساب التقاليد القضائية ونقل الأعراف السائدة للقضاة حديثي العهد ونقل خبرة السلف للخلف، وكل ما يهمهم من شؤون ويخالجهم من شجون.فضلاً عن أنه ليس لهم مظلة تأمينية للعلاج الطبي ولا مظلة تأمينية للمعاش التقاعدي ليضمن لهم العيش الكريم، والطمأنينة النفسية في أداء رسالتهم بعد أن يُفني رجل القضاء زهرة شبابه في حمل الرسالة الجليلة وأداء الأمانة الثقيلة، ولا يزال القضاة يتناوبون على بعض قاعات الجلسات، لضيق المكان الذي يحدُّ من تطوير العمل القضائي نفسه، وكل ما سلف من ضمانات تراها متوفرة لإخوانهم في جهات حكومية أخرى، بل ان هناك دولا في منطقتنا سبقتنا كثيراً في هذا المضمار!!* هل تؤيد قيام عدد من رجال القضاء برفع دعاوى تعويض ضد الأشخاص أو بعض المحامين بسبب طلبات الرد؟
- بداءة ثمة إسراف ومبالغة من بعض الإخوة المحامين– وفقهم الله – في رفع دعاوى (ردَّ).والمعلوم للكافة أنهُ نادراً ما يُقضى بقبول دعوى ردَّ القاضي أو منعهِ من نظر قضيةٍ ما مطروحة عليه، وذلك لعدم ثبوت أسباب الرد ولعدم الجدية، ومن ناحية أخرى فمن حق القاضي ردَّ اعتباره مما نُسِب إليه من أمور في دعوى الرد لم تثبت في حقه – وقد تكون ماسةْ به في سُمعته ومركزه الاجتماعي، ومن حقه رفع دعوى تعويض على من تقوَّلَ عليه خلافاً للحقيقة، لأن لدعوى التعويض هُنا وظيفتين أولاهما: ردَّ اعتبار القاضي الذي تم المساس به، والاخرى: قطع دابر دعاوى الرد المتُسرعة والمرسلة الأسباب والحدِّ منها، والتي يترتب عليها حتماً تعطيل الفصل في الدعوى المنظورة وتعليقها، حتى يُفصَّل في دعوى الرد من محكمة أخرى، أي أن الوظيفة هنا إصلاحية بمعنى الا تُرفع دعوى الرد إلا إذا كان مبناها أسباب جادة وقانونية وثابتة وليست أقوالاً مُرسلة، فضلاً عن أن مثل هذه الدعاوى غير الجادة قد تُعكِّر صفوُّ العلاقات ووشائج التعاون بين أعضاء القضاء الجالس وأعضاء القضاء الواقف، مما يُضيرُ حُسن سير العدالة التي ينشدها الجميع.* كيف تشعر بالعلاقة بين القضاة والمحامين أثناء عملك في المحاكم ومجلس القضاء؟
- العلاقة بين السادة رجال القضاء والإخوة المحامين طيبة وهناك تعاون بينهما حالياً من خلال مُشاركة القضاة في تدريب المحامين الحديثين أو المُشاركة في ندوات قانونية، وذلك بمعرفة مجلس القضاء وموافقته، وإن كان المأمول تطوير هذه العلاقة وتوسيع مجالات التعاون، ليكون هناك آليات تواصل وتعاون بين القضاء الجالس من جهة والقضاء الواقف من جهة أخرى، إذ إنه لا غنى لإحداهما عن الأخرى، فهما وجهان لعملة واحدة.وغالبية المحامين والمحاميات تربطهم بالقضاة وشائج المودة والإخوة، وأقترح في هذا السبيل تكوين فريق عمل مشترك من الجهتين تكون مهمته رأب أي صدع قد ينشأ والمبادرة للسعي لإصلاح ذات البين فيما لو حدث - لا سمح الله - بين القاضي او وكيل النيابة من جهة وبين أحد المحامين من جهة أخرى سوء تفاهم، وفريق آخر لاقتراح آليات لتطوير آليات التعاون بينهما، أو ان تُسند لذات الفريق المذكور.التكويت
* هل نحن قادرون على تكويت القضاء الكويتي؟
- لقد شرع المجلس الأعلى للقضاء بالفعل في انتهاج سياسة وخطة جادة للوصول الى تكويت القضاء، وقد تمثل ذلك في زيادة أعداد من يتم اختيارهم من الباحثين القانونيين الجُدد، مِمَّن تتوافر فيهم الشروط اللازمة لتعيينهم بالنيابة العامة، وفي هذا الشأن تحقق تقدم كبير وواضح، إذ أصبحت الغالبية من أعضاء النيابة العامة من الكويتيين، واستتبع ذلك زيادة أعداد القضاة الكويتيين بالمحكمة الكلية نقلاً من النيابة العامة او ترقية، حتى أضحت جميع الدوائر بالمحكمة الكلية مُؤلفة من قضاة كويتيين، إلا ما ندر منها.وبالنسبة لمحكمة الاستئناف فغالبية أعضاء دوائرها من الكويتيين، أما محكمة التمييز فقد أصبحت جميع دوائرها برئاسة كويتيين، فضلاً عن دعمها بمستشارين كويتيين ضمن تشكيلاتها، وتمت زيادة اعضاء نيابة التمييز من الكويتيين وذلك لتأهيلهم للعمل بمحكمة التمييز.ويحرص مجلس القضاء على أن تكون سياسة التكويت تتم بحكمة وتأن، وذلك لعدم مناسبة الإخلال المفاجئ الذي يمكن أن يترتب عليه إخلال جسيم بِحُسن سير العدالة، خصوصا ان وجود بعض رجال القضاء من غير الكويتيين في تشكيل الدوائر القضائية بالمحاكم العليا، لا هُم من ذوي الخبرة والكفاءة في محراب العدالة وتقتضي الظروف الراهنة الاستعانة بهم، حتى يصبح القضاء الوطني في السنوات المقبلة قضاءً وطنياً قائماً على سواعد ابنائه، وأن الزيادة في عدد القضايا تبعاً لتضاعف عدد السكان، فضلاً عن تعقُد أوجه الأنشطة الاقتصادية، هو الذي يدعو إلى الاستعانة بذوي الخبرة منهم لدعم المحاكم المُتخصصة.الفصل بين رئاسة المحاكم والمحكمة الدستورية
* هل تؤيدون الفصل بين رئاسة المحاكم المختلفة ومنها المحكمة الدستورية مع عضوية مجلس القضاء؟
- في هذه المرحلة، لا أؤيد الفصل بين عضوية المحكمة الدستورية وعضوية مجلس القضاء وهذا سيكون مرحلياً، خاصة أن نصف أعضاء المحكمة الدستورية هم من بين السادة المستشارين ممن هم خارج نطاق مجلس القضاء، أما مسألة الفصل بين رئاسة المحاكم والعضوية في مجلس القضاء فهي غير عملية وليست منطقية، إذ ان من الطبيعي أن من ينظم العمل القضائي هم المعنيون بالأمر بالدرجة الأولى، وهم المسؤولون عن رئاسة المحاكم والنيابة العامة، وهم الأدرى ببواطن الأمور وما تقتضيه مصلحة العمل لأنهم الأقرب إلى تلمس حاجاته، وأعتقد أن جميع الأنظمة القضائية الحديثة تأخذ بذلك، وهو ما تنص عليه القوانين بما فيها قانون تنظيم القضاء في مادته السادسة عشرة، إضافة إلى عضوية أقدم اثنين من وكلاء محكمتي التمييز والاستئناف الكويتيين، وزيد عددهم في المشروع ليصبحوا ثلاثة أي ثلث عدد اعضاء المجلس.تعديل الدستور
* بعد عملك سنوات طويلة في عضوية ورئاسة المحكمة الدستورية، هل تؤيد تعديل الدستور؟ وهل ترى أن هناك نصوصاً بها خلل تحتاج إلى معالجة وتعديل من قبل المشرع؟
- الدستور الكويتي اول دستور عصري صدر في المنطقة، وأرى أن القواعد التي تضمنها مثالية، وليس ثمة حاجة فعلية لتعديلها، خاصة أن المحكمة الدستورية ومن واقع ما اختصها به المشرع من تفسير لنصوصه، قد أصدرت أحكاماً مهمة تكفلَّت بتفسير ما غمض منها أو شابها لَبْس، فضلاً عن ان الدستور قد صدر بعد استعراض لتجارب الدول المتقدمة في هذا الشأن، وقد أُشبع بحثاً ودراسة من قبل الرواد المؤسسين واضعي الدستور أعضاء المجلس التأسيسي المنتخب، ولم يتم التصديق عليه الا بعد مناقشات دامت قرابة عام.ومهما أوتينا اليوم من قوة، فلن نصل إلى ما وصلوا إليه من بناء للثوابت والمبادئ الدستورية الراسخة التي نستظلُ في عصرنا الحاضر – بوارف ظلالها، فضلاً عن أن دستورنا محل اعتزاز من جميع الخبراء الدستوريين وافتخارهم.* بعد عملك سنوات طويلة في عضوية ورئاسة المحكمة الدستورية، هل تؤيد تعديل الدستور؟ وهل ترى أن هناك نصوصاً بها خلل تحتاج إلى معالجة وتعديل من قبل المشرع؟
- القضاء سلطة من أهم السلطة ورسالة سامية تقوم على منظومة من التقاليد والأعراف القضائية التي يعايشها رجل القضاء ويكتسبها منذ بداية دخوله القضاء وعقب تخرجه مباشرةً من الجامعة، حتى تكون جزءاً من شخصيته وكيانه، وكلما كان القاضي في مقتبل العمر وحديث التخرج كان ذلك أدعى للتطبع بتلك التقاليد والعادات القضائية، لاسيما أنه لم يدخل في علاقات عمل سابقة، أو تكون له مصالح أو شراكات مع آخرين أو حتى خصومات، خصوصا أن اصحاب المهن الأخرى – وهم محل احترام الجميع – قد أصبح لهم فكر وآراء أو مشاركات إعلامية، مما يتعارض مع التقاليد القضائية واعراف المهنة، التي نشأ عليها رجل القضاء والمتخرج حديثاً ومنذ بداية دخوله القضاء واحتكاكه برؤسائه وكبار رجال القضاء سواء على مستوى الدورات التي يتلقاها في بداية قبوله والتحاقه بالمعهد القضائي، أو من خلال العمل مع زملائه في صرح النيابة العامة أو في محراب القضاء، وتمرسه فيه تحت بصرهم وإشرافهم.* هل تؤيدون خفض سن القاضي إلى عمر الـ٦٠ عاماً بدلا من سن الـ٧٠؟
- لا أؤيد خفض سن تقاعد القاضي، لأن الجلوس على قوس المحكمة، قوامه الخبرة والتخصص والتمرس بالتقاليد القضائية، وقضاؤنا لا يزال بحاجة إلى أصحاب الخبرات في هذا المجال، ولننظر الى جهات أخرى علمية وطبية، تم رفع سن التقاعد فيها الى (75) سنة، بقصد التمسك بالخبرات والتجارب المتراكمة لدى أولئك من أصحاب تلك المهن، وحفاظاً على الخبرات القضائية النادرة تقوم بعض الدول برفع السن إلى ما فوق السبعين، كما يتجه بعضها الى عدم وضع سن التقاعد لقضاة فيها، ولو أمنت الدولة مستقبل القاضي بعد تقاعده وضمنت له معاشاً مناسباً، لتقاعد كثيرون دون حاجة لخفض السن، لكون المسؤولية شاقة والعمل مُضنيا، وما الفائدة من خفض سن التقاعد دونما توفير للحياة الكريمة لرجل القضاء بعد ان يقضي ربيع عمره في حمل هذه الأمانة الجسيمة.* كلمة أخيرة تودون ذكرها.
- القضاء رسالة سامية ومسؤولية شاقة، والسلطة القضائية من أهم السلطات، لذلك فإن للقاضي معاناته الخاصة التي لا يشعُر بها الآخرون، وأعباء القضاء كبيرة، وتعزل حاملها عن محيطه ومجتمعه، وما يجوز للآخرين لا يجوز للقاضي، لذا فهو يتحرج من المطالبة – عادةً - باحتياجاته وحقوقه.لذا على الدولة تلمس حاجات القضاء وأهله، دون ان نضطره للمطالبة بها، ومن الأقوال المأثورة المعروفة أنه لا يجوز دفع القاضي للمطالبة بحقه، وليست بالضرورة أن تكون تلك الحاجات مالية، وتأمل معي معاناة القضاة في موضوع مباني دور العدالة ومنشآتها.وبسبب بطء الدورة المستندية فقد تدخل الديوان الأميري – مشكوراً – في تحمل بناء مجمع لمحاكم الجهراء وآخر لمحاكم الفروانية، وقد شارفا على الانتهاء، ويعتبر كل منهما صرحاً شامخاً للعدالة في وطننا العزيز، والطموح والأمل المنشود، لمقر المحكمة الدستورية ولمحاكم الأسرة بالمحافظات، خصوصاً أن المباني التجارية او الاستثمارية المستأجرة لا تلبي احتياجات القضاء ولا تحقق الغاية المنشودة، ولأن المباني التي يتمُ تشييدها ابتداءً لتكون دوراً للعدالة تكون دائماً أوفى بالغرض في إنشائها من تلك التي يتم استئجارُها لتكون كذلك.بل الأصل ان تكون هناك مدينة قضائية تستوعب دور العدالة ومبانيها ومرافقها ومساكن لرجال القضاء واعضاء النيابة العامة، ومن المناسب ان تكون إدارة إسكان رجال القضاء والنيابة العامة تابعة لوزارة العدل، كما هو شأن إدارة مساكن اساتذة الجامعة والتعليم العالي.ولنحرص دائماً على قيمنا وتقاليدنا العريقة ليظل قضاؤنا في مكانته العالية المرموقة ومنزلته السامية... والله ولي التوفيق وهو الهادي الي سواء السبيل.