تعكس كل لوحة من لوحات مصطفى خالدي السهولة والصعوبة في هذا العالم، وتستحضر مفاهيم الحرية، وحالة الإنسان والطبيعة... أراد من خلالها توجيه رسالة سلام وأمل وتجسيد الأفضل في الحياة. من هنا يبدو أن كل شيء مسموح في تأليف اللوحة عنده لإضافة هذا الإلهام وهذا الجديد، واكتشاف فكرة تزيد من سحر الحياة اليومية وتوصل رسالة متمحورة حول الحرية، القضية الإنسانية، الطبيعة... أفكار كثيرة لدى مصطفى خالدي تنتظر ترجمتها على المساحة البيضاء أمامه لتتحول في ما بعد إلى لوحة غنية بالمعاني والتعابير.
أسلوب خاص
ولد مصطفى خالدي في بيروت عام 1969 وتنقّل بين لبنان وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية. فنّان عصامي، أخذ دروساً في الفن في Baum School of Art في الولايات المتحدة عام 1999، وهو أيضاً مصمّم مجوهرات وملحّن. قدّم في باريس أعماله في صالة عرض Sami Kinje، وتصاميم مجوهراته في صالة عرض Caravan. لم يمضِ مصطفى خالدي فترة طويلة في Baum School of Art، إذ ما لبث أن غادرها وابتكر لنفسه أسلوبه الخاص في الرسم انطلاقاً من عالمه هو، في محاولة منه لإضافة جديد بدل أن يسير في التيار الذي يسلكه كثر من الفنانين، وشيئاً فشيئاً راح يكتشف ذاته، فحقق معرضه الأول في صالة عرض {44 سوق النجّارين} في بيروت (2003) نجاحاً مهد له السير في طريق الفن، عبر اختيار أسلوب خاص به من دون التركيز في أن يكون الأفضل. في 2009 أقام معرضه الثاني وفي 2010 عرض مجموعة من لوحاته في لندن تحت عنوان Raw Visions.v > تكامل الثنائياتفن الرسم وتصميم المجوهرات من أبرز اهتمامات مصطفى خالدي، فهو يستلهم أفكاره من حياته اليومية، ويضفي عليها جمالية، ومع كل فكرة يجتهد في أن يكسبها فرادة وتميزاً، هذا تحديداً ما يشكل فعل الخلق لديه. الناظر إلى أعمال مصطفى خالدي، يلاحظ ألا مكان للحلم فيها، بل واقعيته تؤلم، لأنه يستقي أفكاره من كل ما يحيط به من أحداث وحالات نفسية مختلفة ومتناقضة: الكون، الجنون، الخير والشر، الإله والشيطان، الطبيعة البشرية، الماضي، الحاضر والمستقبل. في لوحاته الجديدة تتجاور الأشياء وتتناغم مثل الألحان وتؤلف في ما بينها قصيدة رمزية، لكل عنصر من عناصرها مدلولاته الخاصة التي تحمل ألف سؤال وألف جواب في الوقت عينه. ليست اللوحة عند مصطفى خالدي جامدة، بل هي في حركة دائمة ما يضفي عليها نبض حياة، ففي زاوية منها يرتسم الحزن وفي زاوية أخرى يرتسم الفرح، والثنائية الموجودة في الكون هي نفسها في لوحته، باعتبار أن هذه الثنائية بالذات تختصر الحياة، رجل وامرأة، الخير والشر، اللقاء والفراق... تشكل فلسفة الرسام التشكيلي في الحياة وفي كل ما يحيط به، ويترجم ذلك خطوطاً وألواناً عبر أسلوب تعبيري ليس الإنسان وحده مركز الثقل فيه، بل هو جزء من عالم متكامل للطبيعة فيه قوانينها وللخير والشر قوانينهما، فيما الإنسان يتلقى هذه القوانين التي تنصفه حيناً وتصلبه على خشبة الألم حيناً آخر. من خلال الحب واللقاء والغريزة والنار والنور، تتصل اللوحات ببعضها البعض وتتكامل، لتغدو خير تعبير عما يعتمل في النفس من مشاعر... القاسم المشترك في اللوحات إلى جانب الإنسان، التفاحة والنار والعين التي تراقب والأزهار، قد تكون التفاحة رمز الحياة والشمعة المضاءة رمزاً للنور والأزهار رمز جمالية الحياة رغم كل ما يشوبها من مصاعب وأزمات... وقد تكون كل هذه الرموز مفتاحاً يلج من خلالها الناظر إلى عالمه الخاص، فإذا كانت التفاحة ترمز ربما إلى المرأة عند البعض، فهي تتخذ عند البعض الآخر دلائل خاصة به، لذا يمكن القول إن مصطفى خالدي لم يحد لوحته في معانٍ محددة بل قصد التعبير بواسطة الرمز، كي يجعل لوحته غنية بالعناصر والرموز تنطلق إلى آفاق لا محدودة إلى درجة أنها لا بد من أن تمسّ الناظر إليها بشكل من الأشكال. لم يقصد مصطفى خالدي أن يرثي الواقع أو يبكي على أفعال الشر بل على العكس، أراد من خلالها أن يدعو إلى نبذ العنف ويقول كفى لتعذيب الإنسان وصلبه على خشبة المصالح السياسية، وأن يدعو إلى الحب المتجلي في زهرة، في التفاتة، في عين ترقب وتتألم وتفرح وتحزن... هذا هو فن مصطفى خالدي وهذا هو عالمه الذي لا ينفك يرى فيه موطئ قدم للخير والغد الأفضل رغم كل البشاعات.