طوت صفقة الشركة الكويتية للأغذية «أمريكانا»، التي شغلت البورصة ومتداوليها على مدى 115 يوماً، أوراقها الأحد الماضي بفشل التوصل إلى اتفاق بين شركة الخير للعقارات والاسهم، المالك الاكبر لأمريكانا، وشركة «اديبتيو» المشتري المحتمل.ورغم فشل التوصل الى اتفاقٍ كانت اطراف متعددة في السوق تراهن عليه في سبيل منح السوق دفعة ايجابية بعد سنوات من الأداء المتذبذب، فإن تلك الصفقة خلفت مجموعة من الايجابيات والسلبيات، وحتى القواعد المهمة التي تؤسس لمهنية بورصة الكويت على المديين المتوسط والطويل.
إفصاح وشفافية
فعلى مستوى الافصاح والشفافية يمكن القول ان اطراف الصفقة (الخير - امريكانا - اديبتيو - هيئة اسواق المال) نجحت إلى حد كبير في تقديم مستوى مهني عال في التعامل مع مختلف الاخبار من وسائل الاعلام المحلية والدولية لإزالة اي لبس محتمل في المعلومات المرتبطة بالصفقة، فتبادلت هذه الجهات 13 افصاحا عاما - بعضها احتوى على افصاحات متعددة - تنوعت ما بين اعلان توقيع اتفاقية اولية للبيع، مرورا بمصاعب التمويل الى التعاملات غير الاعتيادية على السهم في البورصة، مما وضع المساهمين امام صورة واضحة لم تكن متاحة لسنوات في البورصة.في المقابل، فإن على اطراف التفاوض (الخير – ادبيتو) اكمال حسنة الشفافية في الصفقة بإعلان اسباب فشلها إن كان بسبب الخلاف على سعر السهم المحتمل للبيع او تفاصيل تتعلق بالفحص النافي للجهالة او معوقات تمويل او اي اسباب اخرى، فشركة الخير رغم جودة أمريكانا تقف اليوم امام ثالث محاولة غير مكتملة لبيع حصتها خلال 30 شهرا بعض فشل المفاوضات مع «BRF» البرازيلية وصافولا السعودية واديبتيو الاماراتية، وبالتالي من المهم اطلاع السوق على نتائج الفحص واسباب فشل الصفقة، خصوصا ان العديد من الاسهم المدرجة المرتبطة بأمريكانا من حيث تشابك الملكيات او الرهونات لا تزال تتداول في البورصة وسط غياب المعلومة.حقوق الأقلية
يحسب للصفقة عند توقيعها التأكيد على مسألة حقوق الاقلية بعد الاستحواذ على حصة «الخير» في اميركانا، وهو امر منصوص عليه في قانون هيئة اسواق المال، الا انه يؤكد ان حقوق الاقلية التي حاول البعض الغاءها من بنود الاستحواذ عند محاولات تعديل القانون قبل عام لم تكن عائقا امام اتمام صفقة لشركة تتجاوز قيمتها السوقية 3 مليارات دولار، اذ اعلنت «اديبتيو» خضوعها لقواعد هيئة الاسواق في اول افصاح لبورصة الكويت بعد اتمام اتفاقية البيع الاولية.موقف البنوك
على صعيد الآثار ذات الصلة بالصفقة، يظهر موقف البنوك الكويتية التي كانت تترقب اتمام الصفقة لتجاوز ملف ديون شركة الخير على البنوك، والتي تقدرها مصادر مصرفية بملياري دينار منها 80 في المئة لبنوك كويتية، وبالتالي فإن عدم اتمام الصفقة يعني الاستمرار ببناء مخصصات , ورغم ان معظم البنوك المحلية مستمرة منذ بداية الأزمة المالية في عملية بناء المخصصات، فإن عدم اتمام الصفقة سيؤدى الى حرمان هذه البنوك من تحويل نسبة من المخصصات السابقة الى حقوق المساهمين، فضلاً عن الاستمرار في بناء المخصصات، وبالتالي حرمان المساهمين من ارباح صافية على المديين القصير والمتوسط.فتح الدفاتر
لم يترتب على فتح دفاتر «أمريكانا» خلال 60 يوما اي شروط جزائية وهو امر ربما يتعلق برغبة الملاك في تسهيل اجراءات البيع الا انه ايضا ينطوي على مخاطر تتعلق بأسرار الشركة ومواطن القوة والضعف المالية والاستراتيجية فيها ومدى سيطرتها أو انكشافها في الاسواق وعلاقاتها مع مختلف الاطراف ذات الصلة، خصوصا ان هناك منافسين لأمريكانا في الاسواق التي تعمل بها... وهذا لا يعتبر تشكيكا في شركة «اديبتيو» التي تبدو المعلومات عنها شحيحة لولا تمثيل الاماراتي محمد العبار لها، الا انه من باب الاحتياط لضمان سلامة معلومات واسرار شركة مثل امريكانا.تدخل الدولة
حسنا فعلت المؤسسات الاستثمارية الحكومية كالهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية عندما نفت امس المعلومات المتداولة في السوق والتي ترتب عليها استمرار ايقاف سهم امريكانا عن التداول، بشأن احتمالية شراء جهة حكومية محلية اسهم امريكانا، فحسب وثيقة الاصلاح المالي والاقتصادي التي تقدمت بها الحكومة، فإن أهداف الدولة تتجه نحو التخلص من العديد من الشركات الحكومية وبيعها والتوسع في نطاقات الخصخصة لتشمل قطاعات خدمية كإدارة الصحة والتعليم، إلى جانب بعض الأنشطة النفطية، وبالتالي من غير المفهوم الاتجاه نحو شراء شركة خاصة تعمل في قطاع تنافسي، وهو امر قد يفتح الباب للعديد من اطراف البورصة ومتنفذيها لتسويق شركاتها على الدولة، في وقت يشير الخطاب الرسمي الى توجه معاكس في التخلص من الأصول الحكومية... لذلك كان النفي مطلوباً ومستحقا لتوجيه رسالة إلى كافة الاطراف بشأن حيادية الدولة في التعامل مع اي اطراف تنوي بيع اصولها.مهنية وكفاءة
حسب ما هو معلن، فإن اتجاهات إدارة امريكانا نحو التوسع لا تزال قائمة، وهو خيار طبيعي، مادام لم يتم التوصل لاي صفقة بيع في المستقبل، ويظل الامر مرتبطاً بالملاك، وحتى البنوك الدائنة، لكن ما يهم هنا هو ان البورصة كسبت من خلال تعامل مختلف الاطراف مع الصفقة تقاليد جديدة جيدة جدا في الافصاح والشفافية يمكن ان تكون اساساً قوياً في رفع مهنية البورصة وكفاءتها، وكلما كانت الإفصاحات شاملة ومحكمة كلما صبت في مصلحة سوق المال.