ما ملاحظات الإسلاميين على تفسير "في ظلال القرآن" لسيد قطب؟ وما أبرز مآخذهم على آراء سيد قطب وشروحه في هذا المجال الذي تزاحمت فيه كتب التفاسير ومحاولات شرح غوامض الآيات والتعابير والشخصيات، عبر القرون حتى عصرنا الحالي؟

من أبرز كتب الإسلاميين وأشملها حول تفسير سيد قطب كتاب الباحث الفلسطيني- الأردني، د. صلاح عبدالفتاح الخالدي، من مواليد "جنين" بفلسطين، ويقع في ثلاثة مجلدات تحت عنوان "في ظلال القرآن: دراسة وتقويم"، الصادر في طبعته الأولى عن دار المنارة في "جدة" بالمملكة العربية السعودية سنة 1986، في نحو 1200 صفحة.

Ad

والكتاب تلخيص لأطروحة دكتوراه ضخمة الحجم، نال د. الخالدي بموجبها شهادة الدكتوراه من "كلية الشريعة" بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكان في اللجنة التي ناقشت الأطروحة الشيخ "مناع خليل القطان"، الشخصية الإخوانية المصرية البارزة، والنشط وربما القيادي في الوسط الإسلامي الحركي بالمملكة آنذاك. وكان القطان في المملكة، مع العديد من قيادات الإخوان مثل شقيق سيد قطب "محمد قطب"، ممن تولوا مناصب دينية وأكاديمية وغيرها، بعد صدام الإخوان مع السلطة المصرية في زمن جمال عبدالناصر.

ولا يمكن اعتبار د. الخالدي باحثاً موضوعياً في التفسير أو في كتاب "الظلال" على وجه الخصوص، فهو ضمن تيار الإخوان المسلمين فكراً وعقيدة، وهو ممن كتب العديد من المؤلفات التي تشيد بسيد قطب وتجده مفكراً ومفسراً وشهيداً، ومنها "سيد قطب الشهيد الحي"، الأردن- عمان 1981، والذي تضاعف حجمه في طبعة عام 1994 بدمشق.

ويستخدم د. الخالدي مصطلح "الجاهلية" بتسليم كامل واقتناع بالمعاني والمدلولات نفسها التي روج لها سيد قطب ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي والأوساط المتشددة من الإخوان المسلمين وبلا تحفظ أكاديمي!

ويرى د. الخالدي مع هذا، أن "سيد قطب غير معصوم في كلامه وفكره"، وأنه "كثير الصواب في الظلال ولكنه... وقع في أخطاء ومآخذ هينة وقليلة، ويجب أن ننظر في هذه الأخطاء بجانب الصواب الكثير، ولا نعطيها أكبر من حجمها، ونلتمس لسيد العذر في الوقوع بها، فهو صحيح النية نبيل الباعث"... إلخ.

لماذا وقع سيد قطب في هذه الأخطاء؟ يقول د. الخالدي شارحاً، أن مبعث هذه المآخذ أمران:

● الأول: أخطاء مبعثها أن ثقافة سيد الأولى لم تكن شرعية متخصصة، وإنما كانت أدبية عامة، وأن ثقافته الشرعية كانت لاحقة، وبجهد شخصي، وكثير من هذه الأخطاء يمكن أن يجاب عنها، وأن يعتذر له بسببها.

● الثاني: أن سيد- وهو يكتب الظلال- كان يخوض معركة مع الجاهلية، وكان هدفه من الكتابة أولاً وأخيراً معالم الصراع مع الجاهلية، وإفراغ ما فتح الله عليه في الظلال، وكان يشعر أن الوقت قد لا يسعفه في أن يكتب كتباً كثيرة في موضوعات تلحّ عليه". (في ظلال القرآن في الميزان، د. صلاح الخالدي، ص276).

هل مثل هذه التبريرات مقنعة للقارئ؟ لا أدري!

ولا يلتفت د. الخالدي للأسف، وهو الباحث وفق القواعد الأكاديمية، إلى أولويات البحث في النصوص، ولا نراه يعترض حقا على المنهج الانتقائي، الاختياري- الإلغائي، الذي تبناه سيد قطب في "الظلال"، والذي لا يتماشى بالطبع مع الأسس السليمة في تفسير النصوص بشكل موضوعي محايد.

ونحن نرى من جانب آخر، كيف أن مفسري التوراة والإنجيل والتراث المسيحي واليهودي من الغربيين في الماضي والحاضر، يتسلحون عادة بالعديد من اللغات الشرقية والغربية، ويفنون أعمارهم في دراسة تاريخ الأمم السامية وثقافتها الآرامية والسريانية والكنعانية والعبرية، والتعمق في تاريخ مصر الفرعونية وثقافة بلاد الرافدين وبلاد الشام، وينكبّون على مجلدات علم مقارنة الأديان، وقد يفعلون الشيء نفسه عندما يتصدون لدراسة الإسلام والقرآن والحديث والتاريخ الإسلامي، فتجد الكثير منهم يتقن العربية والفارسية والتركية والأردو إلى جانب اللغات الأوروبية.

ولا يرى د. الخالدي فيما يبدو ضرورة لكل هذا، إذ يكفي أن سيد قطب كان من أخلص الإخوان، وأنه كان مثقفاً وأديباً شهيداً، وذا أسلوب شائق وتعبير رائع، كي نجعل "في ظلال القرآن"، كما يصفه في مقدمة كتابه "من أهم التفاسير لكتاب الله تعالى، وإنه يمثل لوناً جديداً في التفسير، ونقلة بعيدة فيه، وأساساً لمدرسة جديدة فريدة متميزة في التفسير هي مدرسة "التفسير الحركي".

والآن ما أبرز "المآخذ" التي يرى الإسلاميون أن سيد قطب أخطأ أو جانبَ الصواب فيها؟

يورد د. الخالدي في هذا الباب عشرين نقطة أو مأخذا، العديد منها لا قيمة لها في الواقع: "الأول: في عرض سيد لبعض موضوعات وقضايا العقيدة والحركة، كان يستخدم لذلك عبارات أدبية بليغة، وعرضا أدبيا ساحرا مؤثرا، ولكنه لم يستخدم العبارات الدقيقة، والجمل المحدودة، والقيود الجازمة، والضوابط القاطعة. إن كلامه حول تلك الموضوعات كان فضفاضاً غير جازم، ولذلك يحتمل أكثر من احتمال، ومن الممكن أن يفسر أكثر من تفسير.

ومنها: كلامه عن الحاكمية والجاهلية والعزلة والمفاصلة والإيمان والكفر، بعبارات غير محددة فهم منها البعض غير ما يقصده سيد منها، وبنى عليها أحكاماً خاطئة لا يقول بها سيد ولا يرتضيها- كما بينا ذلك فيما سبق- ولو كان كلام سيد حول هذه المعاني محدداً مقيداً مضبوطاً لما أسيء فهمها واستغلالها". ولكن د. الخالدي ومعظم الإسلاميين من الإخوان، يستخدمون بعض هذه المصطلحات!

"الثاني: الاستطراد في بحث بعض الموضوعات الخاصة المتعلقة بالدعوة أو الحركة أو الواقع المعاصر، وذلك إذا وجد أدنى فرصة مناسبة".

ويورد الباحث د. الخالدي العديد من الأمثلة ويقول: "ومنها: استطراده- في التعريف بسورة الأنفال- للحديث عن الجهاد في سبيل الله: مراحله وطبيعته وبواعثه وألوانه ومبرراته وغايته، وتصحيح بعض التصورات والآراء لمسلمين معاصرين حوله، والسبب الذي أوقعهم في خطأ في تلك التصورات.. ثم نقوله أثناء ذلك عن الأستاذ الإمام أبي الأعلى المودودي صفحات عديدة.

ومنها: استطراده في الحديث عن الغزوات بتلخيص لأحداث الغزوة أخذه من كتب السيرة وإطالة هذا التلخيص حتى يبلغ عدة صفحات، وإطالة الوقفة في التعقيب على الغزوة أحيانا حتى يبلغ عدة صفحات أيضا.

ومنها: استطراده في الحديث عن الحركة الإسلامية الأولى، من حيث نشوءها وعواملها ومظاهرها، والعناصر الأساسية للقاعدة الصلبة فيها، وعوامل تكونها. ثم مظاهر النقاء في المجتمع الإسلامي الأول، ومظاهر الخلخلة وعلاجها...".

لا يتساءل د. الخالدي لماذا يركز سيد قطب على هذه الجوانب؟ وما مدى حياديته وموضوعيته ما دام تفسيره يخدم الإخوان والجهاديين!

"الثالث: تكراره الحديث عن بعض الموضوعات في الظلال، وكلما وجد أدنى ارتباط أو صلة بين ذلك الموضوع وبين إيحاءات الآية. لقد طرق بعض الموضوعات مرات عديدة، وبخاصة تلك المتعلقة بالتصور والعقيدة مثل الحاكمية والألوهية والربوبية ولوازمها. والجاهلية ومظاهرها، والمجتمع الإسلامي والمجتمع الجاهلي، ثم موضوعات الحركة مثل التميز والمفاصلة والدعوة والعمل. وإن القارئ للظلال يدرك ذلك التكرار بصورة واضحة بارزة.

ففي تعريفه بسورة الأنعام أورد فقرات مكررة، وعبارات وجملاً مكررة كذلك، وركز عليها وكرر ذكرها لأهمية بيانها وترسيخها في التصور والذهن.

وفي حديثه عن واقع العرب قبل الإسلام ومظاهر السوء والانحلال والتخلف في مختلف نواحي حياتهم، كرر ذلك في عدة مواطن في تفسير سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وسورة الأنعام، وغير ذلك".

(في ظلال القرآن، الجزء الثالث، د. عبدالفتاح الخالدي، ص 283)

لقد نشر الإخوان المسلمون، وبخاصة سيد قطب وشقيقه محمد، الكثير من الأفكار المغلوطة وغير الدقيقة عن "الجاهلية" أو ما كان عليه العرب قبل الإسلام، ولو درسنا أديان العرب وعقائدهم وشعائرهم وعاداتهم قبل الإسلام لوجدنا كثيرا منها في الإسلام لاحقا. فالإسلام كان ينظر إلى عقائد عرب ما قبل الإسلام وأديانهم بأنهم يتبعون ما أوحي إلى إبراهيم وإسماعيل.

وهناك كتب كثيرة في المكتبة الغربية حول عقائد العرب الدينية قبل الإسلام لعل من أبرزها كتب الباحث العراقي د. جواد علي، ومنها "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" و"تاريخ الصلاة في الإسلام"، و"معجم ألفاظ الجاهليين"... إلخ.

وتقول بعض الكتب ومنها "الحياة الدينية عند العرب بين الجاهلية والإسلام"، لمحمد حامد الناصر وخولة درويش، الرياض 1997، إن أهل الجاهلية عرفوا أن الله موجود خالق، ومن ثم فقد انتشر لفظ الجلالة "الله" في أشعار الجاهليين انتشاراً واسعاً. ومن أهم الصفات التي وردت في هذه الأشعار "أن الله هو الرزاق" و"أنه الفعال الواقي" وأنه "عالم الغيب" وأنه "الخالد والمنعم والمعين". وكان الموت عند أهل الجاهلية "مفارقة الروح للجسد"، وكان الكثير منهم ينكرون اليوم الآخر، غير أن فريقاً منهم كان يؤمن بالبعث والحشد، وكانوا غالباً يربطون ناقة عند قبر صاحبها، ويدعونها حتى تموت جوعا وعطشاً، ويقولون إنه يحشر راكباً عليها، ومن لم يفعل معه هذا حشر راجلاً.

ويقول المؤلفان إن أكثر الذين كانوا يؤمنون بوجود إله خالق، كانوا يؤمنون بما نسميه "القضاء والقدر"، وكان أهل الجاهلية يتقربون إلى أربابهم بالنذور والذبائح، وكانت العبادة في مفهوم أهل الجاهلية تعني مظاهر من الطقوس.

ويقول المؤلفان كذلك: عرف العرب في الجاهلية- بعض شعائر العبادة، كالصلاة والحج، كما عرفوا شيئاً عن الصيام والزكاة... إلا أن هذه العبادات كانت مشوبة بالشرك وبشعائر الوثنية، ولقد تقرب الجاهليون إلى أصنامهم بالسجود، وكانت مناسك الحج أكثر وضوحاً، وكان عند العرب ما يشبه صلاة الاستسقاء".

ويقول المؤلفان نقلاً عن "السيرة الحلبية" من كتب السيرة: "كان من عادة أهل مكة أنهم إذا أجدبوا وقحطوا واشتدت بهم الحاجة، خرج من كل بطن منهم رجل، ثم يغتسلون بالماء ويتطيبون ثم يلتمسون الركن ويطوفون بالبيت العتيق سبعاً، ثم يرقون أبا قبيس فيتقدم رجل منهم يكون من خيارهم... فيدعو الله، ويستغيث طالباً الرحمة والغوث بالمتوسلين إليه، ويذكرون أن عبدالمطلب كان ممن استسقى لأهل مكة ولغيرهم مراراً". (ص303)

وهناك كتاب بعنوان "الأضاحي عند العرب" ويتضمن أبحاثا حول تطور شعائر الأضاحي في عموم منطقة الحجاز.

وفي التشريعات الاجتماعية جاء في كتاب "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب"، ج 2، وهو من تأليف كبير علماء السلف في العراق "محمود شكري الآلوسي" (1856 - 1924)، عن معرفة العرب ورسومهم في قضية الطلاق ما يلي: "كان العرب في الجاهلية يطلقون ثلاثاً، فكان أحدهم يطلق زوجته واحدة، حتى إذا استوفى الثلاث انقطع السبيل عنها، وقد كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها تتربص سنة في شر ثيابها". (ص49-51) وفي الموضوع بجملته تفاصيل ومجلدات! وللكلام صلة.