لعل أكبر دليل على ضخامة الصدوع الناجمة عن التعديل المنفرد للنظام الانتخابي وتنوعها هو قدرته على استحضار نزعة التشظي بمجرد إعادة طرح ذلك الملف المأزوم كل مرة.صدع "الضرورة" لم تنجح معه وصفة الزمن كعلاج يكفل تفريغ ما في الصدور من شحنات؛ لأنه تلاقح مع تراكمات طائفية وعنصرية وجدت سبيلها إلى التضاعف الفلكي في حاضنة "الفلتر الانتخابي" ذي الصوت الواحد الذي يعمل بطريقة طردية مع تزايد "المشاركة" فيه.
وقد كان بالإمكان "نظريا" أن تهدأ الأوضاع قليلا بعد أول تطبيق لنظام "الفلتر الانتخابي"، ولكن حسن التدبير الحكومي أطاح بالمجلس المبطل الثاني بعد ستة أشهر من حسن التدبير الأول الذي سبق له أيضا أن أطاح بالبرلمان الذي ترأسه السيد أحمد السعدون، الأمر الذي أعاد الصدع مجددا إلى الساحة رغم الحسم الدستوري لجدل مشروعية مرسوم الضرورة.لقد فعل "الفلتر الانتخابي" فعله في نقل النيران المشتعلة من خارج الحدود إلى داخلها، فما يحصل في سورية والعراق واليمن والبحرين يجد صداه كأنه منتج محلي، ولأن السوق منتعش برز تجار الأزمات من كلا الطرفين وعليها صعدوا ووصلوا، وها أنتم اليوم لا تزالون تعايشون فصول صدع "الضرورة" كأن زمانه يأبى الرحيل.هل انتهينا؟ الجواب كلا، ها هم نواب يتقدمون باستقالاتهم، اثنان منهم حملوا بيرق "الصوت الواحد" ثم أدانوه بخروجهم من ملعبه "المفصل"، وثلاثة رفعوا شعار "الإصلاح من الداخل" ثم تركوه على مقاعدهم وخرجوا، ليعاد فتح باب الانتخابات مجدداً وتعود معه أجواء التفتيت الاجتماعي والتفكك السياسي، وحتى انتخابات شغل المقعد الواحد بعد وفاة أحد النواب أوضحت لمن لا يريد أن يفهم أن الفلتر إياه خير راع للخطاب الطائفي.في الختام لم يطرأ شيء على أسباب المقاطعة لمن قاطع عن قناعة بأن التعديل المنفرد للنظام الانتخابي هو أصل المشكل السياسي الذي نعيشه، ولم يطرأ شيء على حقيقة أن "الفلتر الانتخابي" الحالي لن يعزز غير الفردية في العمل السياسي، وخلق بيئة طاردة لكل طرح وطني جامع، والذي لن يسمع صوته وسط هذا الضجيج، ولسوف ترون ممثلي هذا الطرح كيف "سيُسحقون" في تلك البيئة.وأقول كما قلت في ساحة الإرادة في عز سخونة الأجواء: من يرد أن يشارك فمن حقه ومن يرد أن يقاطع أيضا فمن حقه، وأضيف قد لا أستطيع تغيير المعادلة الحالية لكني أملك خيار عدم المشاركة في لعبة تم تقرير قواعدها دون مشاركتي فيها.
مقالات
الأغلبية الصامتة: صدع «الضرورة»
02-06-2016