زلزال في عالم تمويل التعليم
إذا ضاعف المانحون المحفزون: المؤسسات، والمنظمات الخيرية، والشركات، والداعمون غير التقليديين، جهودهم فسيصبح بوسعنا الاستفادة من التمويل الضخم وضمان حصول كل الأطفال على التعليم الذي يحتاجون إليه، ومنع ضياع جيل آخر.
في منتصف شهر أبريل ضرب زلزال بلغت قوته 7.8 درجات الإكوادور، مما أسفر عن مقتل 500 شخص على الأقل وإصابة 4000 شخص آخرين بجراح، وبطبيعة الحال كانت الأولوية الفورية لعمليات الإغاثة والإنقاذ، البحث عن الناجين (لا يزال نحو 100 شخص في عداد المفقودين)، وجمع شمل الأسر، وتوفير الرعاية والماء والمأوى والغذاء، ولكن فور إنجاز هذه المهام، لابد أن يتسمر العمل.في المقام الأول من الأهمية، لا بد من تزويد نحو 150 ألف شاب، وفقا لتقديرات منظمة اليونيسيف، بالدعم النفسي والاجتماعي، والشعور بالعودة إلى الحياة الطبيعية، والحماية، والأمل، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي التوفير السريع للتعليم.عندما تهمل جهود الإغاثة الإنسانية الحاجة إلى التعليم، يُترَك الشباب في الشوارع عُرضة للمتاجرة، والعنف، والتطرف، والاستغلال، وعلاوة على ذلك يُفضي الفشل في توفير الاستثمار المقدم في التعليم خلال الأزمات إلى جعل الجهود الرامية إلى توفير مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية أقل فعالية من حيث التكلفة، ذلك أن التعليم اللائق يعمل على توسيع مساحة المساعدات في تقديم المشورة الصحية، وغير ذلك من الخدمات وبرامج تدريب الأسر.
في لبنان وتركيا والأردن، انتظر الكثير من الأطفال اللاجئين السوريين ست سنوات للعودة إلى المدرسة، وعلى نحو مماثل، واجه نحو مليون طفل تضرروا من زلزال 2015 في نيبال، ونحو خمسة ملايين طالب لم يتمكنوا من الذهاب إلى مدارسهم عندما اجتاحت أزمة الإيبولا منطقة غرب إفريقيا، صعوبات شديدة لمواصلة دراستهم.ويتعرض الأطفال في الإكوادور للمخاطر نتيجة لعدم كفاءة نظام المعونات الإنسانية الدولية، الذي يوجه أقل من 2% من المساعدات للتعليم، كما أصبح هؤلاء الأطفال عُرضة لخطر الانضمام إلى 80 مليون طفل في مختلف أنحاء العالم تسببت الأزمات والطوارئ والصراعات في تعطيل تعليمهم.من المؤسف أن من بين 133 مناشدة لطلب المساعدة في مجال التعليم منذ عام 2010 ستاً فقط- أربع منها تتصل بالأزمة السورية- تلقت ما يقرب من نصف التمويل، وفي عام 2015 لم تتلق أربع مناشدات في مجال التعليم أي تمويل على الإطلاق. ونتيجة لهذا وفرت المناشدات الإنسانية التعليم لنحو 12% فقط من الأطفال والشباب في حالات الطوارئ العام الماضي.إن الإكوادور، باعتبارها دولة ذات دخل متوسط مرتفع، غير مؤهلة لكثير من مبادرات المساعدة المتعددة الأطراف في مجال التعليم، وستكون متلقية للأموال من مناشدات الطوارئ، ولكن كمية قليلة فقط من هذه الأموال ستتقاطر عبر النظام لدعم التعليم، وفي غياب خيارات أخرى للتمويل يجري السحب من تمويل التنمية القائم غالبا لتجهيز استجابة تعليمية طارئة، كما حدث في المناطق المتضررة بفيروس الإيبولا وزلزال نيبال، وبهذه الطريقة فإن فشلنا في التخطيط للأزمات يعوق التقدم نحو أهداف التعليم الأبعد أمدا.ولهذا السبب يعمل صناع السياسات على مبادرة لضمان عدم حرمان أي طفل من التعليم بسبب أزمات أو طوارئ غير متوقعة. في القمة الإنسانية العالمية التي انعقدت في إسطنبول في مايو الماضي انطلقت منصة أزمات التعليم الجديدة وصندوق لتمويلها، وفور تأسيسه سيُتاح الدعم للعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية والمعلمين لوضع خطط فورية لتوفير التعليم للأطفال المتضررين من حالات الطوارئ، على أساس الاعتراف بأن الاحتياجات الإنسانية والتنموية والأمنية لم يعد من الممكن تلبيتها بملء الصوامع.إن التمويل، لدعم استراتيجية مشتركة تجري صياغتها بالشراكة مع الحكومات، من شأنه أن يمكن التسليم الفوري للتعليم في حالات الطوارئ، وبالتالي يعمل الصندوق على سد الفجوة في التنسيق وتوفير الخدمات من خلال تعزيز النظام عند أضعف نقاطه، وتوفير جِسر للتنمية للأمد الأبعد. لو كانت هذه المبادرة قائمة قبل وقوع الزلزال في الإكوادور، فإنها كانت ستعمل على توفير نحو 12 شهرا من الدعم الطارئ، ومساعدة البلاد إلى أن تتمكن من إعادة التعليم إلى سابق عهده وفقا لخططها الوطنية، وفي أزمة أطول أجلا مثل الأزمة السورية، كانت منصة التمويل هذه ستساعد الدول المجاورة، بدعم من المجتمع الدولي، في إنشاء استراتيجية تمويل طويلة الأجل، وربما من خلال التوسط لإعداد ترتيب يسمح للحكومات المانحة بسداد أصل قروض ميسرة من البنك الدولي على مدى ثلاثين عاما.وفي نيبال، كانت منصة التعليم المقترحة ستساعد في تلبية الاحتياجات الفورية وسد الفجوة في خطة إصلاح قطاع المدارس في نيبال للفترة بين 2009 و2016، وكانت هذه المنحة بقيمة 60 مليون دولار على أربع سنوات، والتي تتولى الشراكة العالمية للتعليم وضعها ودعمها، لتستفيد من الموارد الإضافية في هذه المرحلة من الأزمة، وحتى لا تتعرض أموال التنمية المخصصة في الأصل لهذا القطاع للخطر.وستتزايد الاحتياجات، إذ إن العالم يشهد الآن أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وفي حين يترك الملايين كل شيء من ورائهم بحثا عن الأمن ومستقبل أفضل لأطفالهم، فإن نهجنا الحالي القصير النظر لم يعد من الممكن أن يستمر. الآن هناك نحو 124 مليون شاب خارج المدارس بالفعل، وسيترك ربع مليار طفل المدرسة بعد عامهم الرابع فيها من دون أن يتقنوا المهارات الأساسية، وهناك أفواج ضخمة من الشباب الذين يفتقرون إلى المهارات الضرورية لهذا القرن، ناهيك عن العام الماضي، يعيشون في البلدان الأكثر تهميشا وتقلبا في العالم بشكل خاص.في اجتماعات الربيع المشتركة الأخيرة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تحدث زعماء العالم بوضوح عن ضرورة السعي إلى جمع موارد إضافية لتحسين سبل تسليم التعليم في حالات الطوارئ، وقد انضم مسؤولون من الدول المانحة الرئيسية، بما في ذلك النرويج، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا، والاتحاد الأوروبي، إلى وزراء من البلدان المتضررة من حالات الطوارئ (مثل جنوب السودان ولبنان) وممثلين لمنظمات المجتمع المدني في اجتماع دعا إلى انعقاده مبعوث الأمم المتحدة الخاص غوردون براون، وجوليا غيلارد من الشراكة العالمية للتعليم، وتوني ليك من منظمة اليونيسيف، وإيرينا بوكوفا من منظمة اليونسكو، وفيليبو غراندي من مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، واتفق الجميع على إنشاء منصة أزمات التعليم.من المقرر أن يتم إطلاق المنصة في غضون أقل من شهر، بعد فوات الأوان، للأسف، لمساعدة الأطفال في الإكوادور، ولكن لم يفت الأوان بَعد بالنسبة إلى أولئك الذين سيتعرض تعليمهم للخطر عندما تندلع الأزمة التالية حتما. والأمر يتطلب مبادرة المانحين المحفزين: المؤسسات، والمنظمات الخيرية، والشركات، والداعمين غير التقليديين، فإذا ضاعفوا جهودهم فسيصبح بوسعنا الاستفادة من التمويل الضخم وضمان حصول كل الأطفال على التعليم الذي يحتاجون إليه، ومنع ضياع جيل آخر.* جوستين فان فليت ، مدير المفوضية الدولية لتمويل فرص التعليم العالمية، ورئيس هيئة مبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي.«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»