حدود انتعاش أسعار النفط

نشر في 02-06-2016
آخر تحديث 02-06-2016 | 00:07
تضاعف أسعار البترول تقريبا منذ بلغ سعره مستواه الأدنى في منتصف يناير بنحو 28 دولارا ليس مفاجئا، ولكن الآن بما أن سقف الخمسين دولارا يخضع للاختبار، فيمكننا توقع أن الحركة الكبيرة التالية في نطاق التداول ستكون نحو الانخفاض.
 بروجيكت سنديكيت كسر سعر برميل النفط حاجز الخمسين دولارا للمرة الأولى منذ أكتوبر الماضي، لذا يبدو الآن وقتا مناسبا لتحديث التحليل الذي قدمته في يناير 2015.

قلتُ آنذاك إن 50 دولارا أو نحوها ستشكل سقف سعر الدولار في الأمد البعيد. في ذلك الوقت ومع ثبات أسعار النفط الخام على أكثر من 60 دولارا، كان الجميع تقريبا يعتقدون أن سعر الخمسين دولارا سيكون السعر الأدنى. ففي النهاية، تنبأت أسواق العقود الآجلة بسعر 75 دولارا أو أكثر، كانت كل من الحكومتين السعودية والروسية بحاجة إلى سعر 100 دولار لمعادلة ميزانيتها، وكان أي سعر أقل من 50 دولارا بكثير لا يمكن تحمله لأنه كفيل بإخراج صناعة النفط الصخري الأميركية من المنافسة.

ومع حدوث هذا، كان سعر خام برنت يتأرجح بالفعل بين 50 دولارا و70 دولارا في النصف الأول من العام الماضي، قبل أن يهبط نهائيا إلى أقل من 50 دولارا في أول أغسطس عندما أصبح من الواضح أن رفع العقوبات عن إيران سيطلق العنان لزيادة هائلة في العرض العالمي. ثبت منذ ذلك الحين أن 50 دولارا هي بالتأكيد سقف أسعار النفط، ولكن الآن بعد تخطِّي هذا المستوى، هل سيصبح أرضية للأسعار؟

يبدو أن ذلك ما يتوقعه كثير من المستثمرين، فقد زادت صناديق التحوط والمضاربون "غير التجاريين" مراكزهم الطويلة الأمد إلى أعلى مستوى على الإطلاق وهو 550 ألف عقد من عقود النفط الرئيسة المتداولة في سوق نيويورك للعقود الآجلة، مقارنة بالرقم القياسي السابق الذي بلغ 548 ألف عقد، الذي تحقق قبل وصول أسعار النفط إلى ذروتها 120 دولارا في يونيو 2014. إن عودة حماسة المضاربة تكون عادة علامة على أن الحركة الكبيرة التالية للأسعار ستكون على الأرجح انخفاضا، والأهم أن الحجج الجوهرية على أن 50 دولارا أو نحوها ستظل سقفا للأسعار وليست أرضية أكثر إقناعا من أي وقت مضى.

تبدأ القضية، كما بدأت في يناير 2015، بملاحظة أن سوق النفط لم تعد تحت سيطرة سلطة الأوبك الاحتكارية (أو الحكومة السعودية والأوبك)، بفضل مصادر العرض الجديدة، والتقدم في تكنولوجيا الطاقة، والقيود البيئية، يعمل النفط الآن في ظل نظام من الأسعار التنافسية، مثلما تفعل السلع الأخرى.

هذا ما حدث لمدة عقدين من 1985 حتى 2004، وكان التداول في السوق الآنية خلال الثمانية عشر شهرا متماشيا مع هذه الفكرة، وكذلك التداول في سوق العقود الآجلة: فالنفط الذي يفترض تسليمه عام 2020 قد هبط سعره إلى 56 دولارا من 75 دولارا منذ عام، فأسعار النفط الآن تحددها التكاليف الحدية لا القدرة الاحتكارية.

وإذا استمر هذا النظام التنافسي فلن يعود سعر النفط يتحدد وفق احتياجات الحكومات المنتجة للنفط ورغباتها، ربما تريد السعودية أو روسيا، أو حتى "تحتاج إلى"، سعر نفط يبلغ 70 دولارا أو 80 دولارا لمعادلة ميزانيتها، ولكن حاجة منتجي النفط إلى سعر محدد لا تعني أن بإمكانهم الوصول إليه، أكثر مما يمكن لمنتجي الحديد الخام أو النحاس الوصول إلى أي سعر "يحتاجون إليه" كي يواصلوا دفع توزيعات الأرباح التي يتوقعها المساهمون أو يريدونها.

كذلك فإن حقيقة إفلاس الكثير من منتجي النفط الصخري المثقلين بالديون إذا ظل سعر النفط أقل من 50 دولارا ليست سببا لتوقع انتعاش الأسعار، إذ ستخسر هذه الشركات ممتلكاتها النفطية ببساطة لمصلحة البنوك أو المنافسين ذوي الموارد المالية الأقوى، ثم سيبدأ الملاك الجدد بضخ النفط ثانية من الحقول نفسها، بشرط أن تكون الأسعار أعلى من سعر الإنتاج الحدي، الذي سيستثني حينها أي أقساط فوائد للقروض المشطوبة.

إن انتعاش الأسعار الحالي حتى تصل إلى مستوى 50 دولارا (السقف المحتمل لنطاق التداول الجديد) هو تصوير واضح لـ"تغيير النظام" الذي حدث في سوق النفط. وقع الجزء الأكثر تصاعدا من هذه الزيادة بعد 17 من أبريل، عندما فشلت الأوبك في الاتفاق على سعر مستهدف جديد وإقناع الحكومات السعودية والروسية والإيرانية بالتنسيق سويا فيما يتعلق بتخفيض الإنتاج الذي سيكون ضروريا لتحقيق مثل هذا المستهدف.

بما أن كل منتجي النفط الأساسيين الآن عازمون بوضوح على مضاعفة الإنتاج، بغض النظر عن الأسعار الناتجة، فسيظل النفط متداولا مثل أي سلعة أخرى (الحديد الخام على سبيل المثال) معروضة بوفرة في سوق تنافسي. ستتحدد الأسعار كما هو مذكور في أي كتاب اقتصاد دراسي نموذجي: وفقا للتكاليف الحدية الخاصة بالمورد الأخير الذي توجد حاجة إلى إنتاجه من أجل تلبية الطلب العالمي.

عندما يكون الطلب على النفط قويا إلى حد ما، كما هو الآن وكما يمكن أن يكون في بداية الصيف، ستتحدد الأسعار وفقا لتكاليف الإنتاج الحدية في أحواض النفط الصخري الأميركية والرمال النفطية الكندية، وعندما يكون الطلب ضعيفا، كما يكون غالبا في الخريف والشتاء، سيتحدد سعر تسوية السوق وفقا للمنتجين الحديين للنفط الأرخص، ولكن الوصول إليه أصعب، في آسيا وإفريقيا، مثل كازاخستان، وشرق سيبيريا، ونيجيريا.

من الآن فصاعدا ستحدد التكاليف التي يواجهها أولئك المنتجون الحديون أقصى نطاق تداول النفط وأدناه، وسيستمر المنتجون بتكلفة منخفضة في السعودية والعراق وإيران في ضخ القدر الذي يمكن لبنيتهم التحتية المادية نقله طالما السعر أعلى من 25 دولارا أو نحو ذلك، ربما يكون السعر اللازم لاستخراج إنتاج كاف من النفط الصخري الأميركي والرمال النفطية الكندية لتلبية الطلب القوي 50 أو 55 أو حتى 60 دولارا، ولكن من المستبعد أن يكون أكثر من ذلك بكثير.

ستتسبب التحولات غير المتوقعة في العرض والطلب بالطبع في تقلبات داخل نطاق التداول هذا، والذي تشير التجارب السابقة إلى أنه قد يكون كبيرا إلى حد ما. في فترة العشرين عاما من الأسعار التنافسية من 1985 إلى 2004 تضاعف سعر البترول أو هبط إلى النصف على مدار بضعة أشهر على نحو متكرر؛ لذا فإن تضاعف أسعار البترول تقريبا منذ بلغ سعره مستواه الأدنى في منتصف يناير بنحو 28 دولارا ليس مفاجئا، ولكن الآن بما أن سقف الخمسين دولارا يخضع للاختبار، فيمكننا توقع أن الحركة الكبيرة التالية في نطاق التداول ستكون نحو الانخفاض.

* أناتول كاليتسكي | Anatole Kaletsky ، كبير الاقتصاديين ورئيس مشارك لمعهد جافيكال دراجونوميكس للأبحاث ومؤلف كتاب "النسخة 4.0 من الرأسمالية، مولد اقتصاد جديد".

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

الجزء الأكثر تصاعدا من زيادة أسعار النفط وقع بعد 17 أبريل عندما فشلت «أوبك» في الاتفاق على سعر مستهدف
back to top