«سايكس - بيكو»... «كيري - لافروف»!
شاءت المصادفات أن تتوافق ترتيبات وزيرَي خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف والولايات المتحدة الأميركية جون كيري لإعادة ترسيم منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً الجزء الآسيوي منها، مع الذكرى المئوية لاتفاقية الدبلوماسيَّين البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرانسو بيكو في القرن الماضي، المعروفة باختصار اسميهما "سايكس- بيكو"، ومصادقة روسيا عليها، والتي وضعت الحدود في الإقليم وأنشأت الدول الحديثة في المنطقة.في حقبة "سايكس- بيكو" لم تكن وسائل الإعلام والتواصل الحديثة موجودة، ولم تكن شعوب المنطقة تعلم ما يدبر لها، ولكن الآن الجميع يدرك ما يفعله لافروف- كيري من إنشاء كيانات طائفية وعرقية ستظل متحفزة للقتال والتناحر بينها عقوداً مقبلة، والعالم يدري أيضاً أن المذابح المروعة في سورية والعراق، وإطلاق يد إيران فيها هي ثمن إخضاع الجميع لما تريده إرادة موسكو وواشنطن، ومن خلفهما تل أبيب، في المنطقة، حتى لو سالت أنهار الدم إلى أطراف أوروبا، وانتشر رذاذ أسلحة الغازات السامة والكيماوية في كل أرياف سورية.
أنا مؤمن أن قرار إعادة ترسيم المنطقة اتخذ في مراكز القرار في واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وموسكو تعلم ذلك وحان وقت التنفيذ الفعلي على الأرض وتريد أن تأخذ نصيبها كدولة كبرى، وغنيمة إيران التي خرجت بها من الاتفاق النووي مع أميركا - وكعادة الصفقات السياسية الكبرى لا تكون مسجلة على الورق- هي إقرار أميركا بحق طهران في الهيمنة على محيطها الحيوي والذي يمتد إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط وقد يمتد أيضاً إلى البحر الأحمر دون المساس بمصالح وأمن إسرائيل.أما الأكراد فيلعبون أخطر الأدوار، وربما أقذرها، بجانب العلويين والميليشيات الشيعية، مقابل الوعد الأميركي- الإسرائيلي لهم بتأسيس دولتهم الكردية العتيدة وزيادة مساحتها على حساب المدن والقرى العربية والتغاضي عما يقومون به من عمليات تهجير للعرب وتطهير عرقي، بل ومشاركة جنود أميركيين وأوروبيين وخبراء إسرائيليين في القتال مباشرة معهم.في هذه الأثناء، حددت مصر مصالحها في الأماكن التي توجد فيها مراكز عمالتها الكبيرة من المصريين في الخليج العربي، والتي تقوم بإرسال التحويلات المالية لدعم اقتصادها، وانسحبت من أي دور آخر لها، بل إنها تقر لروسيا وإيران وأميركا ما تفعله في سورية والعراق، والمهلك للعرب أن جامعة الدول العربية أصبحت بسبب تبعتيها للمصالح والتوجهات المصرية مكبلة وبلا أي فاعلية في الظرف الخطير الذي تعيشه الأمة العربية حالياً، بينما يسيطر على دول المغرب العربي الخوف بسبب جماعات الإسلام السياسي التي تعربد في ليبيا وتونس، وتعتقد هذه الدول أن كل ما يجري في المشرق العربي هو قتال مع هذه الجماعات، ولا ترى في مشروع إيران الإمبراطوري الفارسي أي تهديد جدي لها.المشهد في العراق ومشاركة أميركا مع الحشد الشعبي بالتغطية الجوية والدعم الفني، وسكوت العالم عن مجازر سورية والعراق تنبئ بأن حدود "كيري- لافروف" الجديدة سترسم بالدم، ولا يمكن أن يتصور أحد أن تلك الحدود الجديدة ستتوقف عند سورية والعراق فقط، كما ثبت فعلياً أن أنقرة أضعف من أن توقف هذا المخطط الجديد، والرياض يتم إنهاكها بالملف اليمني، وبقية دول الخليج بقضايا محاربة الإرهاب ليستسلم الجميع في النهاية لخرائط كيري- لافروف الجديدة للمنطقة، ولو بعد حين.