الانتخابات المقبلة... المقاطعة أسلم أم المشاركة؟
مطالبة البعض للحركة الدستورية بالاعتذار، بعد قرارها المشاركة في الانتخابات والتراجع عن المقاطعة، طلب في غير محله. مبررات مقاطعة انتخابات الصوت الواحد أمر مشروع، فهي تقدير سياسي من منطلق أن المقاطعة قد تُولّد ضغوطاً على السلطة لكي تتراجع وتصحح موقفها بارتكابها اعتداء على الدستور بتعديل قانون الانتخابات بمرسوم، باعتبار عدم توافر حالة الضرورة فيه، إضافة إلى ان قانون الانتخابات لا يجوز تعديله بمرسوم، كما عبر عن ذلك الدكتور عادل الطبطبائي في مؤلفه «النظام الدستوري في الكويت» ص 613، 614 حيث يقول «المرسوم بقانون لا يستطيع أن يعدل قانون الانتخابات، سواء كان مجلس الأمة منحلا أو غير منحل... ذلك لأن حل المجلس التشريعي قد يكون نتيجة خلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإذا كانت السلطة التنفيذية قد شرعت بتعديل قانون الانتخابات فكأنها بذلك ترسم الطريق الذي يمكنها من ضمان وصول أعضاء جدد يؤيدونها في موقفها من المجلس المنحل، وبذلك تهدر فكرة تحكيم الشعب (عبر الانتخابات) في الخلاف الدائر بين السلطتين». وصدور حكم المحكمة الدستورية بدستورية المرسوم هو محل اختلاف وموضع نقد لأن حيثياته غير مقنعة، وسبق ان انتقد المغفور له الدكتور عثمان عبدالملك حكم المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم تعديل قانون الانتخابات عام 1981 من عشر دوائر بخمسة أصوات إلى 25 دائرة بصوتين، واعتبر المرسوم مخالفا للدستور، حتى بعد حكم المحكمة الدستورية وقانون الصوت الواحد، وهو بدعة وسيبقى بدعة ضارة بمصلحة الكويت وفيه انتقاص لحق المواطنين وأنتج أضعف مجلس في تاريخ الكويت، ففي عهده زاد الفساد وانتشر، كما زاد استشراء الواسطة في كل شيء.والآن، ما هو الموقف الأسلم في الانتخابات المقبلة المقاطعة أم المشاركة؟
في تقديري ان المسألة ينظر لها من معيار الجدوى، وليس من معيار المبدأ، بمعنى ما هو الموقف الاكثر نفعا لمصلحة الكويت وشعبها؟ وهنا علينا ان ناخذ في الاعتبار العوامل التالية:1 - نعم المقاطعة الشعبية قد تؤثر في قرار السلطة، وأدلة ذلك عديدة، فبعد تزوير انتخابات 1967 والمجيء بمجلس في جيب الحكومة واجهت السلطة مقاطعة واسعة من كل شرائح المجتمع، ما ادى الى تراجعها ببيان امير البلاد الشيخ جابر الاحمد في يونيو 1967، وأعيد العمل بقانون الدوائر العشر وخمسة أعضاء، وأجريت الانتخابات عام 1971 وفقا له.وبعد حل مجلس الامة عام 1986 انتفض الشعب احتجاجا على موقف السلطة، وعبر عن موقفه بالتظاهرات والتجمعات التي عرفت بدواوين الاثنين، ثم مقاطعة انتخابات ما سمي بالمجلس الوطني، بعد اجراء تعديلات على الدستور، واستمرت المقاطعة اثناء الغزو وبعده، وجاء مؤتمر جدة وحاولت السلطة اعادة المجلس الوطني بعد تحرير البلاد، الا ان المقاطعة استمرت وبدأت التجمعات الشعبية والضغوط الخارجية، ما أجبر السلطة على التراجع عن مشروعها والعودة إلى إجراء الانتخابات عام 1992.وتعديل قانون الانتخابات عام 2006 من 25 دائرة الى خمس دوائر جاء بعد الحملات الشعبية بشعار «نبيها خمس». وكذلك الضغوط الشعبية عام 2011 كرد فعل على الإيداعات النقدية في حسابات النواب المصرفية أدت الى اقالة حكومة ناصر المحمد وحل مجلس الامة.2 - لا شك في أن الاجراءات القاسية وغير المسبوقة التي أقدمت عليها السلطة ضد المعارضين والمحتجين وملاحقتهم بالأحكام القضائية وسحب الجنسيات وتقييد حرية الصحافة وأنشطة جمعيات النفع العام قد أثرت في ضعف الحراك الشعبي.وهل يمكن أن تؤدي المقاطعة الى تعديل قانون الصوت الواحد سيئ الذكر الذي ليس له مثيل في تاريخ الانتخابات في العالم؟ آخذين بعين الاعتبار أثر الإجراءات القاسية التي أقدمت عليها الحكومة ضد المعارضين والمحتجين بالملاحقات القضائية وأحكام السجن واتساع الاعتقالات، وسحب الجنسيات وتقييد حرية الرأي والصحافة وأنشطة جمعيات النفع العام، ما أثر في إضعاف الحراك الشعبي.3 - تصلب السلطة وعدم تقبلها للمناشدات والنصائح بضرورة السعي نحو تحقيق التفاهم والوفاق، وهو ما يحتاج اليه البلد في الظروف العصيبة والمخاطر الأمنية التي يمر بها محيط الجوار والاقليم العربي.4 - ضعف منظمات المجتمع المدني أو إضعافها يؤثر سلبا في امكانية استنهاض الحراك الشعبي.5 - لا ينكر أن هنالك أخطاء حدثت في ادارة الحراكات الشعبية وأثرت في إضعافها، وليس أقلها الخلافات في داخل صفوفها.6 - لا شك في أن ما حدث ويحدث في الاقطار العربية والانتكاسات بعد الربيع العربي والحروب الدائرة وحركات التطرف (داعش والقاعدة) وشلالات الدماء في سورية والعراق وليبيا، كل ذلك له تأثير في نفوس الناس وبذر الإحباط.لذلك يتطلب الأمر من الجميع اعادة النظر في تقييم الاوضاع، ومنها المشاركة في الانتخابات، لعل أصواتا مستقلة تصعد الى المجلس.