عمد الساسة العراقيون إلى «ترحيل» الأزمة السياسية في البلاد، بعد أن أعلن رئيس البرلمان سليم الجبوري بدء العطلة التشريعية للمجلس، ما يعني ترحيل الخلافات بشأن التعديل الوزاري الناقص، وشرعية الوزراء ورئاسة البرلمان.

وجاء تأجيل الأزمة لعدم التوصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق على استكمال حكومة العبادي الناقصة عددياً، والتي ظلت تنعقد بثمانية وزراء فقط من أصل ٢٢، وهناك تشكيك واسع في شرعية جلساتها وقراراتها لعدم توافر النصاب القانوني، رغم أن مستشاري العبادي يحاولون تكييفها قانونياً بأساليب تعود إلى عهد سلفه نوري المالكي.

Ad

لكن الشأن الذي أنقذ رئيس الحكومة حقيقة هو انطلاق معركة تحرير الفلوجة ضد «داعش»، والدعم الدولي والمحلي الذي حصل عليه الجيش والقوات المساندة، ما جعل الجميع يطالبون بالتركيز على إنجاح العمليات العسكرية الاستثنائية في خاصرة بغداد الغربية، وتأجيل مظاهر الاحتجاج أو النقاشات السياسية.

وصار العبادي شخصاً يحتاج إليه الجميع، بمن فيهم خصومه، فهو الوحيد الذي يستطيع التنسيق بين الأطراف المتناقضة في معارك الفلوجة، إذ يتطلب الأمر تنسيقاً حرجاً بين الحشد الشعبي، المقرب من إيران، والذي يرابط في أطراف الفلوجة ليحمي ظهر الجيش الحكومي، وطيران التحالف الدولي بقيادة أميركا، وضباط البنتاغون الذين ينظمون حركة المدفعية والدبابات كمستشارين مع القوات العراقية، وأخيراً التنسيق مع نحو 5 آلاف مقاتل سني من متطوعي القبائل التي طردها «داعش» من الأنبار.

واكتسب العبادي خبرة نادرة في العمل مع واشنطن وطهران وموسكو، طوال العامين الماضيين، وفي مرحلة استثنائية من الحوار النووي بين طهران والقوى الدولية، واضطر أحياناً إلى خوض مواجهات مع فصائل الحشد الشعبي المقربة من إيران، ثم العودة إلى توفير إسناد أميركي لها، وكفلت له هذه المناورات أن ينجو مراراً من المؤامرات السياسية، لاسيما الأحداث الأخيرة التي كانت تعني نهاية حتمية للعبادي، إلا أنه تجاوزها حين نقل الأزمة إلى حرب الفلوجة.

أما الأكثر حرجاً في الأمر فهو موقف مقتدى الصدر، الذي تعرض أتباعه لاعتداءات من قوات مكافحة الشغب في آخر جمعتين، لمنعهم من اقتحام مقرات الحكومة والبرلمان مجدداً، فقد تراجع الاهتمام والتعاطف الشعبي مع الاحتجاجات، وانشغل العراقيون بمعارك غرب البلاد التي تثير سجالاً طائفياً سيئاً وانقساماً بين المكونات يكفي لصرف النظر حتى عن محاولات الصدريين اقتحام المنطقة الخضراء.