وقفت في حصة دراسية للحديث عن الغش في الاختبارات، وكعادتي بتخصيص جزء من الحصة لمناقشة إحدى الظواهر المتفشية بين الشابات، أخبرتهن أن التغشيش ليس مساعدة على النجاح بقدر ما هو ترويض على الاتكالية واللامسؤولية، ففاجأتني طالبة: "لكن معلمة التربية الإسلامية تقول إن الغش ليس حراماً!" فأجبت: "نحن لا نمنع الغش لكي ندخلكم الجنة! نحن نمنعه لأنه يضر بكم وبأخلاقكم وبمستواكم التعليمي"، ورغم أنني مقتنعة تماماً أن الدين هو المساحة الأولى التي نتعلم منها الأخلاق، وبالتالي من المستحيل أن يكون الدين مشجعاً على السرقة العلمية، فإنني غضضت الطرف عن الدخول في نقاش ديني وقتها.تنشط كالعادة قيادات وزارة التربية بالتصريح حول الغش مع حلول اختبارات منتصف العام ونهايته، وهذا بحد ذاته يعبّر عن حجم الظاهرة، وهذا العام يحل علينا تصريح وزير التربية د. بدر العيسى (بجريدة القبس 22 مايو الماضي) بأن "الغش ينشط أكثر في مراكز تعليم الكبار من الذكور، ولديهم الكثير من وسائل الغش المتطورة"... هذه العبارة تخفي أكثر مما تصرّح فيما يخص ظاهرة الغش، ففي حين أعلن تفشي الغش في مراكز تعليم الكبار، أوهَم المواطنين، في الوقت ذاته، بأن المشكلة هناك، وكأن مدارسنا عموماً ليست فيها مثل هذه الممارسات وبكثافة تزكم الأنوف.
نعم، مؤلم جداً أن نقول إن مدارسنا تشجع على الغش، لكن من ينكر ذلك إما أعمى أو متواطئ، أقولها بملء الفم، بل وأستكمل تصريح وزير التربية بأن هناك مدارس حكومية وخاصة كثيرة تضج قاعات اختباراتها بوسائل الغش، كما أن هناك معلمين كثيرين مسؤولين، بشكل مباشر وغير مباشر، عن عمليات الغش، إما بالسماح والتغاضي عن محاولات الطلبة، أو بإعطاء وتوزيع إجابات الاختبار داخل اللجان، ومن خلال تجربتي كمعلمة في المرحلة الثانوية، واحتكاكي الجيد بالمعلمات والإداريات والطالبات رأيت وسمعت ذلك، بل أرى أن الغش هو الوسيلة الرائدة التي يعتمدها كثير من الطلبة في اجتياز المراحل الدراسية، ومن يستطيع أن ينكر ذلك؟! ولا أملك إلا أن أقول إن الغش ظاهرة متفشية بين المسؤول ورعيته، وهذه أخطر مرحلة يمكن أن يصل إليها التعليم في الكويت.الغش يعني اللا أمانة، أن يغش الطالب يعني أنه يفهم تماماً أن السرقة العلمية وعدم الأمانة سبيله للنجاح في الحياة، وأن يسمح المعلم لطلبته بالغش يعني أنه يعلّمهم أن الدولة تكفل لهم الارتقاء بطرق غير مشروعة، والطامة أن يتعاون المعلم مع طلبته على التغشيش، وهذا يعني للطالب اشتراكنا جميعاً في فقدان الأمانة، لا فرق بين معلم وطالب، وكل الخوف أن يتحول الغش في يوم من الأيام إلى فضيلة نبارك من يمارسها وتصرف ذكي نحمد من يعمل به. "وسائل الغش تطورت جداً" كما يقول وزير التربية، فماذا كنا نتوقع؟ النتيجة الطبيعية لمحاولاتنا غير الجادة لوقف الغش أدت إلى ذلك بلا أدنى شك، ومن الطبيعي كذلك أن تتطور طرقه في بيئة "تحلّله" شرعاً، ومن المتوقع سعي كثير من المعلمين لتغشيش الطلبة تحت عنوان "التعاون على البرّ والتقوى"! كل ذلك غير مستغرب، لأن الطالب والمعلم على حد سواء ليس لديهما القناعة بعدم جدوى الغش فضلاً عن كونه جريمة أخلاقية. أخشى أن يعود كل ذلك إلى التفريط في التعامل مع المشكلة في مقاعدها الأولى في المدرسة! فهل قيادات وزارة التربية ترى الغش مثلما نراه خلقاً ذميماً يضر بالبلد قبل أن يكون سلوكاً ممنوعاً في المدرسة؟ وهل هم على استعداد أن يتناولوه بشيء من الجدية، فيعترفوا باستشرائه ويسعوا إلى إيجاد حلول علمية مدروسة؟ وهل معشر المعلمين مستعدون لتغيير مجرى الحدث بإنهاض ذواتهم أولاً وثم تغيير الواقع؟!
مقالات - اضافات
الغش الحلال!
04-06-2016