في حين سيكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مكلفاً بالنسبة الى بنوك العالم، تشير استطلاعات الرأي الى أن ذلك لن يحدث، وثمة مصادر تقول إن احتمال حدوث ذلك يصل الى 1 مقابل 4 فقط.

غير أن استطلاعات الرأي أخطأت في الماضي، ثم ماذا لو أن بريطانيا اختارت في 23 الجاري الخروج من الاتحاد الأوروبي؟ ولدى أكبر بنوك العالم، التي تعتبر لندن الموطن الثاني لها – إن لم تكن الأول – الكثير من عوامل القلق الاخرى بشأن الأرباح الطفيفة، وقد فقد المستثمرون صبرهم.

Ad

ويشكل الاستفتاء المرتقب مشكلة إضافية بالنسبة الى تلك البنوك، وإذا قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد فسوف يتعين على بنوك العالم اتخاذ قرار مزعج، فهل تعمد الى نقل أعمالها بعيداً عن عاصمة أوروبا المالية؟

ليس على البنوك الإجابة عن هذا السؤال في الوقت الراهن، وهي تأمل، على أي حال ألا يحدث ذلك مطلقاً، فتلك البنوك التي تعاني في الأساس ضغوطاً شديدة من أجل خفض التكلفة لم تعمد الى انفاق أموال لمواجهة خطط طارئة ولن تقدم على مثل تلك الخطوة إلا اذا اضطرت اليها. أما في ما يتعلق بالوقت الراهن فإن بنوك العالم تعتبر هذا الاستفتاء المرتقب – وبشكل رئيسي - مجرد حدث سوقي مع تاريخ معروف، ويمكن أن يتسبب في تقلبات وأن يفضي الى ضغوط على السيولة.

والمكان الأكثر وضوحاً في سياق التعرض للمتاعب هو سوق معدلات الصرف، حيث أشارت الأحداث الى وجود اضطرابات تسبق الاستطلاعات، وبين بداية هذه السنة وحتى مطلع شهر أبريل الماضي هبط سعر الجنيه الإسترليني بنسبة 9 في المئة مقابل اليورو، وقد أصبحت النسبة في الوقت الراهن 3 في المئة فقط، وفي حقيقة الأمر فقد أصبح أكثر قوة مقابل اليورو والدولار، وبقدر يفوق ما كان الحال عليه عندما صدرت الدعوة الى ذلك الاستفتاء في فبراير الماضي.

ما بعد التصويت

ولكن بعد اجراء التصويت سوف تبدو هذه الخطوات مثل موجة رقيقة ولطيفة فقط، وتجدر الاشارة الى أن أسواق الخيارات كانت تقوم بالتسعير على أساس هبوط مباشر بنسبة 4 في المئة في قيمة الجنيه الاسترليني. ومن خلال نظرتها الى فترة تمتد الى ستة أشهر أو سنة مقبلة يتوقع خبراء الاقتصاد أن يتعرض الاسترليني لهبوط في قيمته يصل الى 15 في المئة أو حتى الى 30 في المئة ربما، كما أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وادارة صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة وجهات اخرى تتوقع حدوث أضرار حادة في الاقتصاد البريطاني، وقد يعاني اليورو تبعات ذلك أيضاً، بحسب توقعات الاقتصاديين. وليس بين هذه الاحتمالات كلها أي وقع جيد بالنسبة الى البنوك التي تتخذ من العاصمة البريطانية مقراً لها، على الرغم من أن التجار البارعين قد يحققون أرباحاً من العملات المتذبذبة الأسعار أو بالنسبة الى عملائهم أيضاً.

خطة الريبو

وقد حصلت البنوك على مساعدة من خلال تقوية الاشراف منذ الأزمة المالية العالمية، وأصبح التفتيش الاعتيادي لدفاعاتها من قبل اجراءات داخلية أو البنوك المركزية عملية روتينية، كما يعد المشرفون بسيولة ضخمة، وسوف ينظم بنك انكلترا ثلاثة مزادات "ريبو" إضافية حول الاستفتاء المذكور، وبشكل فعلي كان ذلك عرضاً يتعلق بإقراض أموال لأي بنك يستطيع توفير أسهم عامة على شكل ضمان جماعي.

وتتمتع البنوك البريطانية الكبيرة بقدرة على الوصول الى العملة الأجنبية عن طريق البنوك المركزية الاخرى، وقد قايض بنك إنكلترا كمية من الخطوط مع نظرائه في مجموعة السبع ومع سويسرا أيضاً.

وباختصار، فإن التقلبات يمكن تدبيرها وادارتها، كما أن قوانين "جواز السفر" في الاتحاد الأوروبي التي تتمكن بموجبها احدى المؤسسات المالية في بلد عضو من تقديم خدمات الى عملاء في 27 دولة اخرى في الاتحاد من دون اقامة عمليات محلية تعتبر مسألة اخرى. وتحصل الفروع الأوروبية في بنوك من خارج الاتحاد الأوروبي على المعاملة ذاتها، وهي تسمح للشركات الأميركية والسويسرية واليابانية بالعمل في كل أوروبا من مراكزها الرئيسية في العاصمة البريطانية لندن، وقد يشكل بنك غولدمان ساكس المثل الأكثر وضوحاً، ومن خلال وجود 6000 من أصل 6500 من موظفيه الأوروبيين في لندن يقوم في الوقت الراهن ببناء مكتب جديد في العاصمة البريطانية، ومن المقرر أن يتم افتتاحه سنة 2019، وبفضل جواز السفر السالف الذكر بشكل جزئي، تلاحظ "سيتي يو كي City UK" وهي هيئة تجارية تعارض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن لندن تفاخر بوجود 70 في المئة من سوق مشتقات معدلات الفائدة من اليورو، و90 في المئة من الوساطة الرئيسية الأوروبية (تساعد صناديق التحوط في التداول ) وأكثر من ذلك.

التجديد أو الاستبدال

ومن دون وجود اتفاق على تجديدها أو استبدالها، فإن جوازات سفر البنوك سوف تنتهي مدتها في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن يمكن ابرام مثل ذلك الاتفاق، إذ تسمح قوانين الاتحاد الأوروبي للأنظمة في الدول غير الأعضاء بأن تعتبر "مماثلة " لها، كما أن بريطانيا سوف تسعى جاهدة لابقاء صناعتها المالية، ومن المؤكد أن بنوكها سوف تضغط بقوة في هذا السبيل. ولكن حتى في ذلك الحال فإنه من المرجح أن ترتفع التكلفة القانونية، ويرجع ذلك ببساطة الى أن على البنوك أن تتقيد بنوعين منفصلين من القوانين والقواعد، غير أن الاتفاقية قد لا تتحقق بسهولة.

وتشير "سيتي يو كي" الى أنه ما من دولة غير عضو تملك حقوق كاملة في جواز السفر السالف الذكر، وقد لا يسامح الشركاء السابقون لبريطانيا في ذلك، فعلى سبيل المثال فإن رجال السياسة في فرنسا وألمانيا لا يريدون الظهور في صورة المتراخين قبيل الانتخابات التي من المقرر أن تجري في العام المقبل وسوف يأملون على أي حال في اضعاف الشركات المالية.

لن يتم تقرير أي شيء بصورة سريعة على أي حال، وسوف تظل بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي لسنتين (وربما أكثر) بعد البدء في اجراءات الخروج منه، ومن خلال التفاوض على شروط تلك الخطوة، ولكن الوقت سوف يمر، ويتعين على البنوك في تلك الحالة وضع الخطط اللازمة، ومنذ الأزمة فضل المشرفون وجود كيانات منفصلة ومستقلة للبنوك في ما يتعلق بالتمويل في مناطق منفصلة. وقد تضغط جهات التنظيم على البنوك من أجل اتخاذ قرار في هذا الصدد وتحريك رأس المال والموظفين الى أماكن حيث توجد فروع لتلك البنوك، ويخشى مدير أحد البنوك في منطقة اليورو ان يصبح من الصعب بقدر أكبر القيام بعمليات مصرفية في لندن.

مواقف البنوك

لا تريد البنوك التحدث عن الخطوات التي قد تقدم عليها (على الأقل بشكل علني ومع اقتراب موعد الاستفتاء) ولن يطرح أحد أي خطة راسخة قبل أن يضطر الى ذلك، ولكن بنك اتش اس بي سي HSBC قال في فبراير الماضي إنه قد يعمد الى نقل 1000 موظف لديه – أي حوالي خمس عدد موظفيه في العاصمة البريطانية – الى باريس، حيث يوجد لديه فرع كان يعرف في السابق باسم "كريدي كوميرشال دو فرانس".

كما أن رئيس دويتشه بنك جون كرايان أبلغ صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في الشهر المنصرم أنه من غير الملائم اجراء تعامل بسندات وعملة حكومة أوروبية في فرع من خارج الاتحاد الأوروبي في بنك ألماني، ومن جهة اخرى أشار آخرون الى أن العمليات قد تتم في دبلن (ويرجع ذلك بشكل جزئي الى قوانين العمل الليبرالية في ايرلندا) اضافة الى لوكسمبورغ.

تنبؤات قاتمة

يذكر أن لندن تحدت توقعات قاتمة من قبل، كما أنها أصبحت العاصمة المالية في منطقة اليورو على الرغم من بقاء بريطانيا خارج نطاق العملة الواحدة، وإضافة الى خبرتها في الأعمال المصرفية تضم بنوك بريطانيا مجموعة كبيرة من المحاسبين والمحامين ويحب الناس العيش فيها.

ولكن الصناعة الأوروبية سوف تتعرض الى درجة من التشظي في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد يتمثل ذلك في وجود عدد أكبر من الشركات في مراكز اخرى وعدد أقل في لندن.