نقطة: حوده موحد المذهبين
ألقت وزارة الداخلية الموقرة القبض على مقيم أردني يدعى "محمود الحرباوي"، متهمة إياه بالنصب والاحتيال بادعاء جمعه الأموال تحت غطاء ديني، ولا أظنني أفهم السبب القانوني أو المنطقي لقيام الوزارة بذلك، فلو كان سبب القبض عليه أنه جمع المال تحت شعارات ومظاهر دينية، فالمفروض حينها على الوزارة أن تفتح عنبراً متكاملاً بالسجن المركزي لهذا التخصص غير النادر من الجرائم، أما إذا كانت تهمته أنه قد ظهر إماماً وسيداً وفقاً للمذهبين الشيعي والسني فإنه عندها سيكون مستحقاً لجائزة الدولة التشجيعية، لقيامه بما لم تقم به وزارات الدولة، وعلى رأسها الأوقاف وهيئتها الوسطية ومجمّع الشيخ "شلتوت" قبلهما، ومنذ عشرات السنين، فهل لو كان المتهم - البريء حتى تثبت إدانته - قد اكتفى بجمع الأموال وفق مذهب واحد كانت الوزارة ستلقي القبض عليه؟! ردة الفعل الشعبية هي مثار الدهشة والاستغراب، فغضب الناس مما قام به الرجل يجعلك تظن أنهم كانوا معتادين على المراقبة والمحاسبة الدقيقة لملالوتهم وشيوخهم، ويعلمون تماماً ما هي مصارف تبرعاتهم وزكواتهم وأخماسهم الأخرى ولم يفلت منهم إلا هذا، متناسين سرقة صندوق إعانة المرضى، أو مخالفات وزارة الشؤون المتراكمة على الجمعيات الخيرية، أو مصير أموال حملات تجهيز الغزاة، وكل هذا على سبيل المثال طبعاً، ومتغافلين عن المئات من الشيوخ ورجال الدين من المذهبين المقيمين منهم والزائرين، ممن يشيعون الفرقة ويشحنون الأنفس ويجمعون الأموال كذلك، ولا أحد يسأل عنهم أو يحاسبهم، أما إذا ضايقكم سفر الرجل للمغرب الإسلامي فأنا أعرف من ترك جمهور بطولة أمم إفريقيا في غيهم يعمهون ويريد الذهاب لهداية جمهور كأس أوروبا الكافرة، يعني احتمال تروح لتشجع رونالدو البرتغالي فترجع رأس حربة بفريق أبوبكر البغدادي، وبعد كل هذا جئتم واستقويتم فقط على هذا "الشيخ الوطني" الفقير الذي لم يُثر النعرات أو الفتن، واكتفى بجمع أموالكم على الخير، واستطاع أن يجمع بين أموال الشيعي والسني في كيس واحد وأقمتم الدنيا عليه!
جزاه الله خيراً عنا وعنكم، فالرجل كان يقدم لنا خدمة جليلة، ولو كان في زمن آخر لربما استحق عليها نيل شرف الجنسية الكويتية مثل من سبقوه، فالناس تحب الطرق المختصرة، وتظن أنها تستطيع شراء تذكرة دخول الجنة بأموالها وهو سَهَّل الأمر عليهم وباعهم إياها، ولم يفرق بين شيعي وسني، مطبقاً أزهى صور العدالة والمساواة التي نتغنى بها، وقد يكون ما فعله الرجل بذرة للوحدة الإسلامية والوطنية المنشودة، فكم من أمر في هذه الحياة الدنيا قد بدأ بدايات سيئة أو متعثرة وانتهى نهايات رائعة، لذا فأنا لا أدعو الآن إلى سرعة إخلاء سبيله فحسب، بل وتخصيص مسجد ليلقي فيه خطبه ومواعظه، ويكمل رسالته النبيلة، لعل هذه الأمة المنكوبة بطوائفها تتوحد على يديه "الكريمتين".